Dataset Viewer (First 5GB)
Auto-converted to Parquet
text
stringlengths
0
254k
الغلو في نظرية المؤامرة الحمد لله خالقِ السماوات والأرضين وما بينهما، مُدبِّر الأمر كله، صغيره وكبيره، تفرَّد بالخلق والأمر والتدبير: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [الرعد: 2]، ثم الصلاة والسلام الأتمَّان على خير مبعوث بالحق، نبينا محمد القائل: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء، قد كتبه الله عليك))، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: فتُهرع الغالبية الساحقة من الناس إلى نظرية المؤامرة كحلٍّ سطحي وسريع لتفسير كثير من القضايا الصحية، والسياسية، والاجتماعية، والدينية، وغيرها، فالوباء صنعته أيادٍ خفية من أجل القضاء على أكبر عدد من البشرية، والزلازل التي حلَّت في المغرب وتركيا وسوريا كان سببها تفاعلاتٍ كيميائية من ورائها أيادٍ خفية، والفيضانات في ليبيا أيضًا كان سببها أياديَ خفية، وفشل الطالب في المدرسة كان سببه أيادي خفية، وإقصاء فريق معين في الدوري النهائي سببه أيادٍ خفية، وموت شخص مشهور في حادث سير وراءه أيادٍ خفية، وكل شخص يحمل تصورًا معينًا عن هذه الأيادي الخفية، وأيًّا كان ذلك التصور، فإنه يكمُن في طيَّاته تهديد عقدي قد يصل إلى الشرك الأكبر، إن المسلم العالِمَ بأسماء الله تعالى وصفاته يعلم أن الكون وما فيه تحت حكم الله وتدبيره، فالمدبر " هو العالم بأدبار الأمور وعواقبها، ومقدر المقادير ومجاريها إلى غاياتها، يدبر الأمور بحكمته، ويصرفها على مشيئته" [1] ، فمن استقر في قلبه معنى هذه الصفة، تحاشى أن ينسُبَ التدبير لغير الله، ولَعَلِمَ أن أقصى ما تنفذه الأيادي المزعومة قضاءُ الله؛ خيرُه وشرُّه. يَرُوج الكلام ويكثُر عن نظرية المؤامرة أثناء الأزمات أو التغيرات المفاجئة، خاصة عندما يقف الإنسان حائرًا أو عاجزًا عن معرفة السبب الرئيسي للمشكلة، فيلجأ لنظرية المؤامرة كجواب سريع يُطفئ به حُرقة الفُضول والخوف؛ جاء في بحث نشرته مجلة Sage كلامًا يوضح ما سبق: "تُقدِّم نظريات المؤامرة للناس إجاباتٍ مبسطة، وتحديدًا كيفية نشوء الأزمة وأي من الفاعلين في المجتمع يمكن الثقة فيهم، هذه الإجابات ذات أهمية قصوى في كيفية تعامل الناس مع الأزمات، من المحتمل أن يكون للأزمة تأثير نفسي على الناس بحيث يصبحون غير متأكدين، أو يشعرون بأنهم ليسوا قادرين على التحكم في بيئتهم" [2] . لا يجدر بشخص عاقل إنكار نظرية المؤامرة أو التهوين من شأنها؛ لأن أصحابها اليوم لا يكتفون بتخطيطها والتدبير لها، بل ينشرونها في المواقع، ويتكلمون عنها في المحافل، ويكتبونها في الكتب مرفوقة بجداول التنفيذ؛ وبالتالي فليس الحل في إنكار وجودها، وإنما النجاة في إخراجها من القلب كمدبر وفاعل مستقلٍّ، إلى سبب من الأسباب، إن شاءَ الله تعالى أنْفَذَها، وإن شاء عز وجل عطَّلها بحَوله وقوته، فها هم المشركون تكالبوا وتآمروا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضوان الله عليهم، فما زادهم ذلك إلا إيمانًا وطمأنينة راسخة رسوخَ الجبال الرواسي: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، والمؤامرة في حد ذاتها ليست نظرية، بل واقع منذ أمد بعيد، والذي يقرأ القرآن يجد آيات تتحدث عن ذلك؛ مثل قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [القصص: 20]، ثم جاء كشف حال موسى عليه السلام؛ ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 21]، وهي حالة خوفٍ طبيعية جُبِلَ الإنسان على الشعور بها أثناء الخطر، إلا أن الخوف لم يجعل كليم الله عليه السلام يزداد إيمانًا بالمؤامرة؛ بل بالله عز وجل: ﴿ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 21]، المهم أن المؤامرة ليست شيئًا جديدًا، وبالتالي ليست شيئًا يُنكَر. إنه من المهم أن نعلم أن الغلو في نظرية المؤامرة يؤدي إلى مفاسدَ كثيرة، أقلُّها: غلق السُّبُل أمام تفسيرات أخرى أقرب للحقيقة، وأعظمها: السقوط في الشرك، إن كلماتٍ يقولها الإنسان في ثوانٍ لا يُلقِي لها بالًا تهوي به في قعر جهنم، فكيف بالاعتقاد أن الجمعية الفلانية هي المتحكمة في العالم، وأن الأمر أمرها، وكل ما يحدث من شرٍّ فهو تحت تدبيرها؟! إن مما تُورِثه نظرية المؤامرة في نفس الإنسان الهزيمةَ والاستسلام؛ فتنتج لنا إنسانًا مهزومًا يؤمن بنجاح غيره، وفشل نفسه؛ لأنه أغرقها في الأوهام والوساوس القهرية، فيصبح سقف طموحاته أن يعرف تفاصيل الأخبار التي تؤكد اعتقاده في نظرية المؤامرة، لقد ساهمت شبكات النت، ووسائل "الانقطاع" الاجتماعي في تكثير عُبَّادِ نظرية المؤامرة، وذلك بخلق مجموعات تنشر وتنقُل أخبارًا عن الأيادي الخفية، إنها نفس عاجزة، كلما فكرت في الخلاص، تذكرت أن أمرها بقبضة أيادٍ خفية تخطط للإيقاع بها وبمن شابهها، تخالج النفس الغالية في نظرية المؤامرة أوهامٌ وشكوك عند كل حادثة، فأثناء السَّلم، تتوقع الأسوأ، وعند حدوث السوء، تؤكد ما ظننته من سوء، وهكذا تنقضي أيامها في دوامة متسلسلة مغمورة بالخوف، والشك، والشرك. إن من أراد أن يفُكَّ قيود المؤامرة في عقله، ويقرأ أحداث العالم دون الغلوِّ في أي عامل قدَّره الله تعالى أن يكون سببًا في تدبير أو تقدير شيء، فليعتقد أن تدبير الله فوق كل تدبير، مهما عظُم وكبُر، وأن أقصى ما يخطط له الخلق تنفيذ قدر الله الكوني الذي كتبه في كتابه، قبل أن يخلق السماوات والأرض، ولم أجد نصًّا بشريًّا يؤكد ما سبق بقلم راقٍ، وأسلوب جذاب؛ مثل ما كتبه ابن القيم في كتابه (طريق الهجرتين)، وهو يؤكد أن السائر إلى الله يسلخ نفسه من التدبير المخالف لتدبير الله تعالى: " ومن شأن القوم أن تنسلخ نفوسهم من التدبير والاختيار الذي يخالف تدبير ربهم تعالى واختياره، بل قد سلموا إليه سبحانه التدبير كله، فلم يزاحم تدبيرُهم تدبيرَه، ولا اختيارهم اختياره، لتيقُّنهم أنه الْمَلِكُ القاهر القابض على نواصي الخلق، المتولي لتدبير أمر العالم كله، وتيقنهم مع ذلك أنه الحكيم في أفعاله الذي لا تخرج أفعاله عن الحكمة والمصلحة والرحمة، فلم يُدخِلوا أنفسهم معه في تدبيره لملكه وتصريفه أمور عباده بـ"لو كان كذا وكذا"، ولا بـ"عسى ولعل"، ولا بـ"ليت"، بل ربهم تعالى أجَلُّ وأعظم في قلوبهم من أن يعترضوا عليه، أو يسخطوا تدبيره، أو يتمنَّوا سواه، وهم أعلم به وأعرف بأسمائه وصفاته من أن يتهموه في تدبيره، أو يظنوا به الإخلال بمقتضى حكمته وعدله، بل هو ناظر بعين قلبه إلى بارئ الأشياء وفاطرها، ناظرًا إلى إتقان صنعه، مشاهدًا لحكمته فيه، وإن لم يخرج ذلك على مكاييل عقول البشر وعوائدهم ومألوفاتهم ." هذا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. [1] كتاب شأن الدعاء، تفسير هذه الأسماء، ص104. [2] Douglas, K. M., Sutton, R. M., & Cichocka, A. (2017). ‘The Psychology of Conspiracy Theories’. Current Directions in Psychological Science, 26(6), 538-542 .
الاختلاف: مفهومه في اللغة والاصطلاح وفي القرآن الكريم والفرق بينه وبين الخلاف أولًا: الاختلاف لغة واصطلاحًا : لغةً: الاختلاف لغة على وزن افْتِعَال، والخلاف والاختلاف في اللغة: ضد الاتفاق؛ قال الراغب الأصفهاني: "الخلاف والاختلاف في اللغة ضد الاتفاق، وهو أعمُّ من الضد، لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين" [1] . وابن فارس جعل لمادة (خلف) ثلاثة أصول [2] : أحدهما؛ أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه، والثاني خلاف قُدَّام، والثالث التغيُّر. ويقصد بالأصل الأول: الخلف وهو: ما جاء بعدُ، ومثال على ذلك الخلافة: إنما سميت خلافة؛ لأن الثاني يجيء بعد الأول قائمًا مقامه. ويقصد بالأصل الثاني: الخَلْف وهو عكس القُدَّام، يُقال: هذا خلفي، وهذا قُدامي. أما الأصل الثالث فيُقصد به: الخُلُوف، يقولون خلف فوه إذا تغيَّر وأخلف؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((لَخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح الْمِسْك)). وقد أدخل ابن فارس الاختلاف في الأصل الأول؛ يقول: "وأما قولهم: اختلف الناس في كذا، والناس خِلْفَة؛ أي مختلفون، فمن الباب الأول؛ لأن كل واحد ينحِّي قول صاحبه، ويقيم نفسه مقام الذي نحَّاه" [3] . هذا المثال من ابن فارس يُوحي إلى أن الاختلاف بمعنى المجادلة والمنازعة. الاختلاف في الاصطلاح: عرفه الجرجاني [4] (ت816ه): "الخلاف: منازعة تجري بين المتعارضين لتحقيق حقٍّ أو إبطال باطل" [5] . عرفه الفيومي [6] (ت: نحو 770ه): "تخالَفَ القوم: اختلفوا، إذا ذهب كل واحد إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر، وهو ضد الاتفاق" [7] . عرفه الكفوي (ت: 1094 ه) [8] : "الاختلاف: هو أن يكون الطريق مختلفًا، والمقصود واحدًا، وفرقٌ بينه وبين الخلاف" [9] . عرفه المناوي [10] : "الاختلاف: افْتِعال من الخُلْف؛ وهو ما يقع من افتراق بعد اجتماع في أمر من الأمور" [11] . ثانيًا: الفرق بين الخلاف والاختلاف: فرَّق جميل صليبا في معجمه الفلسفي بين الخلاف والاختلاف، قال: "الفرق بين الخلاف والاختلاف أن الأخير يُستعمل في القول المبنيِّ على دليل، على حين أن الخلاف لا يُستعمل إلا فيما لا دليل عليه" [12] . وهذا التفريق سبقه إليه أبو البقاء الكفوي في كلياته؛ حيث فرق بين الخلاف والاختلاف؛ قال: "والاختلاف: هو أن يكون الطريق مختلفًا والمقصود واحدًا، والخلاف: هو أن يكون كلاهما مختلفًا. والاختلاف: ما يستند إلى دليل، والخلاف: ما لا يستند إلى دليل. والاختلاف من آثار الرحمة، والخلاف من آثار البدعة" [13] . وهناك من يرى [14] أن التفرقة بين الخلاف والاختلاف بهذا الاصطلاح الذي ذكره أبو البقاء الكفوي وغيره، لا يستند إلى دليل لغوي ولا إلى اصطلاح فقهي؛ إذ إن هذا الفرق قد يكون مسلَّمًا في جانب اختلاف الطريق مع اتحاد المقصود، وأما تخصيص الأول بالدليل دون الثاني، فهو أمر غريب ما لم يقُمْ عليه بيِّنة من استقراء عام، أو شبه عام، لتمَوْضُع كلمة الخلاف والاختلاف في السياقات الجُمَلِيَّة. ومجرد النظر إلى حديث ((تطاوعا ولا تختلفا)) [15] - مثلًا - لا يدل على المقصود، وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود: 118، 119]، قد يأتي بعكس دعواه رحمه الله؛ لأن الرحمة هنا قَيدٌ في عدم حصول الاختلاف؛ فدلَّ أن الاختلاف ليس رحمة في نفسه. وكذلك القول في تضمين البدعة فيه - أي الخلاف - فالخلاف والاختلاف نتيجة مع مقدمة، أو قُلْ: جزء مع كل! وإن وجدت بعض الأفراد يصدُق عليها دعوى الكفوي رحمه الله في التفرقة، فإنها لن تصدق على الباقي منها. وعليه يظهر ضعفُ التفرقة. فالخلاف والاختلاف في اللغة ضد الاتفاق، فهما بمعنى واحد، ومادتهما واحدة. ومما يدل على ذلك أن استعمال الفقهاء للفظين لا يفرِّقون بينهما، كما بيَّن ذلك الدكتور محمد الروكي؛ قال: "والملحوظ في استعمال الفقهاء أنهم لا يفرِّقون بين الخلاف والاختلاف؛ لأن معناهما العام واحد، وإنما وُضعت كل واحدة من الكلمتين للدلالة على هذا المعنى العام من جهة اعتبار معين، وبيان ذلك أننا إذا استعملنا كلمة (خالف)، كان ذلك دالًّا على أن طرفًا من الفقهاء شخصًا أو أكثر جاء باجتهاد مغاير لاجتهاد الآخرين، بغض النظر... ولهذا لا تجد فرقًا بينهما في استعمال الفقهاء" [16] . وهناك من ذهب إلى الاختلاف لا يعني الخلاف، وأن الخلاف نوع من أنواع الاختلاف [17] . ثالثًا: مفهوم الاختلاف في القرآن الكريم: ذهب أبو البقاء الكفوي إلى أن الاختلاف في القرآن هو اختلاف تلاؤم، وهو ما يوافق الجانبين؛ كاختلاف وجوه القرآن، ومقادير السور والآيات، والأحكام من الناسخ والمنسوخ، والأمر والنهي، والوعد والوعيد [18] . وتوصلت الباحثة سعاد محمد مطيع في رسالتها (الاختلاف في القرآن الكريم دراسة موضوعية) إلى أربعة معانٍ للاختلاف في القرآن الكريم: الأول: التنازع؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]؛ يقول الإمام الطبري في تفسيره: "يعني بذلك جل ثناؤه: فإن اختلفتم - أيها المؤمنون - في شيء من أمر دينكم..." [19] . الثاني: التعاقُب؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164]؛ يقول ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية: "فهذا هو المراد باختلاف الليل والنهار؛ أي: تعاقبهما وخلف أحدهما الآخر..." [20] . الثالث: التناقض؛ قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]؛ يقول ابن عطية في تفسيره لـ﴿ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾: "وظهر فيه التناقض والتنافي الذي لا يمكن جمعه" [21] . الرابع: التنوع؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]؛ يقول ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية: "واختلاف لغات البشر آية عظيمة، فهم مع اتحادهم في النوع كان اختلاف لغاتهم آيةً دالةً على ما كوَّنه الله في غريزة البشر من اختلاف التفكير، وتنويع التصرف في وضع اللغات، وتبدل كيفياتها باللهجات والتخفيف، والحذف والزيادة، بحيث تتغير الأصول المتحدة إلى لغات كثيرة" [22] . [1] المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهانى، أبو القاسم الحسين بن محمد (المتوفى: 502 هـ)، تحقيق: محمد سيد كيلاني، كتاب الخاء، مادة: خلف، (ص 155)، دار المعرفة لبنان. [2] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، أحمد، أبو الحسين بن زكَرِيّا (المتوفى: 395هـ)، تحقيق: عبد السَّلام محمد هَارُون، كتاب الخاء، مادة: خلف، (2/ 170)، اتحاد الكتاب العرب، 1423هـ - 2002م. [3] معجم مقاييس اللغة، كتاب الخاء، مادة: خلف، (2/ 172). [4] علي بن محمد بن علي، المعروف بالشريف الجرجاني: فيلسوف، من كبار العلماء بالعربية، له نحو خمسين مصنفًا؛ منها: "التعريفات"، و"شرح مواقف الإيجي"، وغيرها، توفي سنة 816هـ، ينظر: الأعلام، خير الدين الزركلي الدمشقي (ت: 1396 هـ)، (5/ 7)، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر: 2002م. [5] كتاب التعريفات، الشريف الجرجاني، علي بن محمد بن علي الزين (المتوفى: 816هـ)، ضبطه وصححه جماعة من العلماء، (ص: 101) دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، الطبعة الأولى: 1403هـ -1983م. [6] أحمد بن محمد بن علي ‌الفيومي ثم الحموي، أبو العباس: لغوي، اشتهر بكتابه (المصباح المنير)، وُلِد ونشأ بالفيوم (بمصر)، ورحل إلى حماة (بسورية) فقطنها ... توفي نحو 770هـ؛ [ينظر: الأعلام للزركلي، (1/ 224)]. [7] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، الفيومي، أبو العباس أحمد بن محمد بن علي (المتوفى: نحو 770 هـ)، دراسة وتحقيق: يوسف الشيخ محمد، كتب الخاء، مادة خلف، (ص: 95)، المكتبة العصرية. [8] أيوب بن موسى الحسيني القريمي ‌الكفوي، أبو البقاء: صاحب (الكليَّات)، كان من قضاة الأحناف، عاش ووَلِيَ القضاء في (كفه) بتركيا، وبالقدس، وببغداد، وعاد إلى إستانبول فتُوفِّيَ بها سنة 1094هـ؛ [ينظر: الأعلام للزركلي، (2/ 38)]. [9] الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، الكفوي، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني القريمي الحنفي (المتوفى: 1094هـ)، تحقيق: عدنان درويش - محمد المصري، فصل الألف والخاء، (ص: 60)، مؤسسة الرسالة – بيروت. [10] محمد عبدالرؤوف بن تاج العارفين ابن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، زين الدين: من كبار العلماء بالدين والفنون، عاش في القاهرة، وتُوفِّيَ بها عام 1031هـ، من كتبه (كنوز الحقائق) في الحديث، و(التيسير) في شرح الجامع الصغير، (فيض القدير)، و(شرح الشمائل للترمذي)؛ [ينظر: الأعلام للزركلي، (6/ 204)]. [11] فيض القدير، المناوي، (1/ 209)، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، الطبعة الأولى: 1356هـ. [12] المعجم الفلسفي، جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)، (1/ 47)، الشركة العالمية للكتاب – بيروت، 1414هـ - 1994م. [13] الكليات، (ص: 61). [14] د. سمير مثنى علي الأبارة، شبكة الألوكة. https: / / www.alukah.net / culture / 0 / 112190 / [15] المقصود حديث سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ معاذًا وأبا موسى إلى اليمن، قال: ((يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا ولا تختلفا))؛ [رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: الجهاد والسير، باب: ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وعقوبة من عصى إمامه، رقم الحديث: (2873)، (3/ 1104)، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دار اليمامة – دمشق، الطبعة الخامسة: 1414هـ - 1993م]. [16] نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء، محمد الروكي، ص (180-189)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، 1414هـ. [17] الاختلاف في القرآن الكريم دراسة موضوعية، سعاد محمد مطيع خليل، (ص123)، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية في نابلس – فلسطين، 2015. [18] الكليات لأبي البقاء الكفوي، (ص 60-61). [19] جامع البيان في تأويل القرآن، أبو جعفر الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي (المتوفى: 310هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، (8/ 504)، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420هـ - 2000م. [20] التحرير والتنوير "تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد"، الطاهر بن عاشور التونسي، محمد الطاهر بن محمد بن محمد (المتوفى: 1393هـ)، (2/ 79)، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984 هـ. [21] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية الأندلسي المحاربي، أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عبدالرحمن بن تمام (المتوفى: 542هـ)، تحقيق: عبدالسلام عبدالشافي محمد، (2/ 83)، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى - 1422 هـ. [22] التحرير والتنوير، (21/ 73).
إطلالة على كتاب: الأربعون القرآنية الحمد لله الرحيم ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ [الرحمن: 1، 2] ووصف كتابه بأنه: ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد: فهذه إطلالة على كتاب قيِّم جمع فيه مؤلفه (أربعين حديثًا مما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل وأحكام وآداب القرآن) وحرص أن يضع (الحديث القريب العبارة، الواضح البيان، لكي يسهل حفظه ويُنتفَع به ويُعْمَل به) وهذه الأحاديث (ليست خاصةً بحفظ القرآن فقط وإقامة حروفه وتجويده والتغنِّي به، بل إن الذي يقرأ الأحاديث ويتأمَّلها سيجد أنها جاءت بالحث على العلم والعمل، والقراءة، والحفظ). وقد عُرِض الكتاب على مجموعةٍ من كِبار أهل العلم، وعلى رأسهم مُقدِّمَا الكتاب الشيخان المحدِّثان: عبدالله بن عبدالرحمن السعد، وصالح بن سعد اللحيدان، وغيرهما، وقد أثنَوْا عليه بأبلغ الثناء الحق وأحسنه [1] . معلومات عن الكتاب: اسم الكتاب: الأربعون القرآنية، تجدر الإشارة إلى أنه توجد عدد من الكتب تحمل نفس العنوان مثل "الأربعون القرآنية" للشيخ ناصر القطامي حفظه الله تعالى، و"الأربعون القرآنية" لـ د.صلاح الدين البسامي. المؤلف: هو الشيخ: أحمد بن عبدالرزاق العنقري التميمي الكويتي، متخصص في علوم القرآن والقراءات العشر، طلب علم الحديث على الشيخ العلَّامة المحدث: عبدالله السعد.. وأجازَه بالكتب الستة، وهي: (البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه) ومن مشايخه أيضًا: العلامة الشيخ: عبدالرحمن البراك، وقد تعلَّم منه علم العقيدة والتوحيد على منهج أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، يحفظ الشاطبية وهي 1073 بيتًا، ويحفظ المقدمة الجزرية بسندها وغيرها، وله مجلس لتعليم علوم القرآن ودروس وهو مستقر حاليًّا بالرياض [2] . تقديم الكتاب: قدَّمَ لِلكتاب أربعة من كبار العلماء المحدثين وهم: صالح اللحيدان، عبدالله السعد، د.ماهر الفحل، د.حمد التميمي، جزاهم الله خيرًا. الناشر: دار الآل والصحب، الرياض، 1431هـ. أهمية الكتاب: للكتاب أهمية بالغة، فهو حديث السنة عن القرآن وقد (امتاز الكتاب بعنوانه ومضمونه، وشهِد كبار أهل الحديث بأنَّه لم يسبق له مثيلٌ من قبل، إضافةً لصحَّة الأحاديث الواردة فيه وشموليتها [3] . منهج الكتاب: جعل المؤلف جزاه الله خيرًا على هيئة فصول وتحت كل فصل تندرج مجموعة من الأحاديث على (نهج البخاري؛ فقد جعل عَناوِين الأبواب مُستَنبَطة من الأحاديث الواردة فيه) [4] . الفئة المستهدفة: الكتاب يستهدف المسلمين عمومًا، والمعتنين بالقرآن من حُفَّاظ وطلبة علم خصوصًا. خدمة الكتاب: كما هي عادة الكتب القيِّمة يتم خدمتها بأنواع الخدمة؛ كالشرح والتحشية والاختصار وغيرها، من ذلك: • يوجد شرح للكتاب للشيخ الصغير بن عمار، وتعليقات للشيخ الفقير العربي، وشرح للشيخ عبدالرحمن بن معاضه الشهري حفظه الله تعالى وغيرها. • للكتاب نسخة صوتية للقارئ عمر مظفر [5] . • تُرجِم الكتاب -بفضل الله- إلى التركية والهندية والفارسية وفي طور الطباعة حاليًّا في مصر والشام إضافة إلى انتشاره في دول الخليج وعلى رأسها المملكة.. حيث تنافس على حفظ متن الكتاب آلاف الحُفَّاظ من حَمَلة القرآن على نطاق جمعيات تحفيظ القرآن [6] . • تم تحويل الكتاب إلى بطاقات دعوية، وقد قام بهذا العمل مشكورًا موقع بطاقات دعوية شهير [7] . عرض موجز للكتاب: قسَّم المؤلف -وفَّقَه الله- كتابه إلى سبعة فصول حيث جعل الفصل الأول الأحاديث الواردة: في فضائل قراءة القرآن ومدارسته، ويندرج تحته عشرة أحاديث، أما الفصل الثاني فكان في الآداب والأحكام وضمَّنه عشرة أحاديث أيضًا، فيما كان الفصل الثالث عن الأحاديث الواردة في فضل حفظ كتاب الله وجزاء أهله وفيه ستة أحاديث، والفصل الرابع حول الأحاديث الواردة في الحث على تعاهُد القرآن ومراجعته وفيه ثلاثة أحاديث، أما الفصل الخامس في الأحاديث الواردة في استحباب تجميل الصوت بالقرآن وفيه حديثان فقط، والفصل السادس كان تحت عنوان: الأحاديث الواردة في إخلاص العمل لله عز وجل ويحتوي على حديثين أيضًا، فيما كان الفصل الأخير يتعلق بالأحاديث الواردة في فضائل بعض السور وفيه سبعة أحاديث تشمل فضل آية الكرسي وفضل الآيَتَينِ الأخيرتين من سُورَةِ الْبَقَرَةِ. والمؤلف قد يعلق أحيانًا على بعض الأحاديث بتوضيح مُشكِل أو شرح لفظ غريب، إما بنقل عن أحد العلماء؛ كابن القيم وابن كثير رحمهما الله تعالى أو من قوله. نموذج من أحاديث الكتاب: الحديث الأربعون: فضل الآيَتَينِ الأخِيرتين من سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهما فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ))؛ مُتَّفَقٌ عليه. تعليق: معنى (كفتاه)؛ أي: حفظتاه من الشر، ووقتاه من المكروه. مميزات الكتاب: الكتاب به مميزات كثيرة منها: • فريد في بابه. • مضبوط بالشكل وذلك لتجنُّب اللحن عند قراءته أو حفظه. • جيد الإخراج. • حَسن التقسيم للفصول وما يندرج تحتها من أحاديث. • وجود ترجمة لكل حديث؛ كصنيع البخاري رحمه الله تعالى. • مختصر مناسب للحفظ. • تحرِّي الصحة للأحاديث. مقترحات: وهنا نختم ببعض المقترحات لعل الله ينفع بها: • لو أن دور التحفيظ تدرِّسه لحفظة القرآن حتى يتعرفوا على الآداب والأحكام النبوية حول ما يحفظون من كلام ربهم. • من الأفضل وجود شرح تربوي يستهدف استخراج الفوائد التربوية لكي يسهل العمل بها والتأسي بالمصطفى صلى الله عليه وسلم. • لو أن المؤلف صدَّر كل عنوان بآياتٍ من كتاب الله كما هو في رياض الصالحين، وحتى يتم الربط بين كتاب الله وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم. • الكتاب بحاجة للتوسُّع في شرح غريب الألفاظ والتعليق على ما يُشكل. • جعل المؤلف الفصل الأخير في الأحاديث الواردة: في فضائل بعض السور ولو أنه استوعبها فهي ليست كثيرة؛ كفضل سورة الكافرون وحديث هود وأخواتها وغيرها. • لو جعل المؤلف فصلًا للسور التي تقرأ في مواضع معينة حتى يعرف الأئمة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة في الصلاة وغيرها. • أخيرًا لو أن المؤلف جعل فصلًا لبعض أحاديث العقيدة الصحيحة في القرآن. [1] قاله مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بقلم د. حمد التميمي ( https://shamela.ws/book/36497/2 ). [2] https://old.shamela.ws/index.php/author/2319 [3] قاله مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بقلم. د. حمد التميمي ( https://shamela.ws/book/36497/2 ) [4] https://shamela.ws/book/36497/2 [5] https://www.youtube.com/watch?v=HyHnPA3HhwM [6] https://old.shamela.ws/index.php/author/2319 [7] صفحة الكتاب على موقع بطاقات دعوية ( https://www.albetaqa.site/lang/arb/?cat=72 )
داود وسليمان عليهما السلام (2) بعد أن مكَّن الله لداودَ في الأرض، وآتاه المُلكَ والنبوَّة، وأنزل عليه الزَّبورَ وعلَّمه ما يحتاجُه هو وبنو إسرائيل من المنهج القويم، وقد يسَّر الله عز وجل لداود قراءةَ الزبور، وخفَّفه عليه حتى إنه كان يقرؤه بمقدار ما تُسرج دوابه، كما أخبر بذلك الصادقُ المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خُفِّفَ على داود عليه السلام القرآن، فكان يأمرُ بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبلَ أن تُسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده)) ، والمراد بالقرآن هنا الزبور الذي أنزله الله على داود عليه السلام؛ حيث يقول: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163]، كما يُطلق القرآن على القراءة، يعني: قراءة الزبور، وقد كان داود عليه السلام قد منحه الله عز وجل صوتًا جميلًا يتغنَّى به وهو يقرأ الزبور ويترنَّم، ولقد وصف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ترنُّمه بالزبور بصوت المزامير؛ فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا أبا موسى، لقد أُوتيتَ مزمارًا من مزامير آل داود)) ، وروى أحمد في مسنده قال: حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صوتَ أبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال: ((لقد أوتي أبو موسى مِن مزامير آل داود)) . وقد التزم داود عليه السلام بأنه لا يأكلُ إلا من عملِ يده، كما اتَّخذ منهجًا في الصيام والصلاة هو أحب المناهج التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضُّ عليها في التطوُّع؛ فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود؛ كان ينام نصفَ الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفرُّ إذا لاقى)) ، وفي لفظ للبخاري من حديث عبدالله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الصيام إلى الله صيام داود؛ كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود؛ كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)) ، كما روى البخاري في صحيحه من حديث المقداد بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكلُ مِن عمل يده)) . ولقد تفضَّل الله تبارك وتعالى على داود فَأَلانَ له الحديدَ، وعلَّمه صنعةَ لَبوسٍ؛ لصيانة المقاتلين المؤمنين، فكان أوَّلَ من صنع الدروع التي قد تسمى الزرد، وقد أرشده الله عز وجل إلى الطريقة المُثلى في صناعتها، فجعلها حلقًا بعد أن كانت صفائح ليسهل استعمالها، وأمره عز وجل أن يعملها سابغات تغطي كلَّ جسم لابسها ويجرها على الأرض، وتصلح للأجسام المختلفة طولًا وعرضًا، فيعم نفعها جميعَ المقاتلين، وأن يقدِّر في السرد؛ أي: في نسج الدرع، وهو إدخال الحلقات بعضها في بعض ولا تجعل المسامير غلاظًا فتكسر الحلقة، ولا دقاقًا فتتقلقل فيها، ولا تزاد في متانتها فتثقل على المقاتل؛ وهذه نعمة جزيلة، لفت الله المؤمنين إلى وجوب شكره عليها حيث يقول: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 80]. كما سخَّر الله عز وجل لداود الجبالَ والطير إذا سبَّح سبَّحتْ معه، وآتاه الحكمةَ وفصلَ الخطاب، وفي ذلك كلِّه يقول الله عز وجل في سورة الأنبياء: ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 79، 80]. ويقول عز وجل في سورة سبأ: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سبأ: 10، 11]. ويقول تعالى: في سورة (ص) آمرًا شيخ المرسلين محمدًا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء في الصبر بداود عليه السلام: ﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ [ص: 17 - 20]. وقد افترى اليهودُ على داود عليه السلام أكاذيبَ كثيرة، كما كذبوا على أنبياء الله من قبله ومن بعده، وقتلوا بعضَ الأنبياء؛ فقد ادَّعوا أن داود خرج يتمشَّى على سطح بيت الملك مساءً، فوجد امرأة جميلة تغتسل، فأرسل رجالًا فأخذوها وجاؤوا بها إلى داود، فدخلت عليه فاضطجع معها وحبلت منه، وأنه عمل على قتل زوجها؛ فقد جاء في الإصحاح الحادي عشر من سفر صموائيل الثاني الذي بأيديهم في الفقرة الثانية منه: وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشَّى على سطح بيت الملك؛ فرأى من على السطح امرأةً تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جدًّا، وفي الفقرة الثالثة فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد: أليست هذه بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثي؟ وفي الفقرة الرابعة: فأرسل داودُ رسلًا وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها، ثمَّ رجعت إلى بيتها، وفق الفقرة الخامسة: "وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود وقالت: إني حُبلى"، وبعد أن يسوق سفر صموائيل الثاني محاولة داود التخلُّص من أوريا زوج المرأة وإرساله إلى الحرب ليُقتل، بعد ذلك يقول السفر في الفقرة 26: فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلُها ندبت بعلها، وفي الفقرة 27: ولما مضت المناحة أرسل داود وضمَّها إلى بيته، وصارت له امرأة وولدت له ابنًا، وأما الأمر الذي فعله داود فقبُح في عيني الرب، ثم يتابع السفر المذكور سرد معاتبة الرب لداود وإماتة الله للولد الذي جاءت به بثشبع، ثم توبة داود وصيامه، ثم دخوله على امرأة أوريا واضطجاعه معها فتحبل وتلد ولدًا اسمه سليمان، والعجيب الغريب أن هذه الأكذوبة انطلت على بعض من ينتمي إلى علم التفسير ففسَّروا بها قوله الله عز وجل: ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ [ص: 21 - 25]. وتفسيرُ هذه الآيات بأن داودَ عشِق امرأة أوريا وقهره على التنازل له عنها، وسعى في قتله حتى قُتل، وكان لداود تسعٌ وتسعون امرأة، ولأوريا هذه المرأة الواحدة، ومجيء ملكين في صورة متخاصمين لداود لتنبيهه على قبح ما فعل، أقولُ: إن تفسير هذه الآيات الكريمات بهذا هو تفسير عاطل باطل، فاسد كاسد، وإفكٌ مفترًى مبتدَع يأباه لنفسه السوقة والرعاع، ومكر يهودي مخترع تمجُّه الأسماع، وتنفر منه الطباع؛ ولذلك أثر أن عليًّا رضي الله عنه قال: من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدتُه مائة وستين جلدة، وهي حدُّ الفرية على الأنبياء، كما أُثر أن رجلًا صالحًا من أهل العلم كان جالسًا مع عمر بن عبدالعزيز بالمسجد وبالقرب منهما رجل يقصُّ على الناس هذه القصة المخترعة على داود، فقال الرجل الصالح: يا هذا، إن كان الأمر على خلاف ما تزعم فقد افتريتَ على نبيِّ الله داود، وإن كان على ما تزعم وستر الله على نبيِّه داود وكنَّى وقال نعجة ولم يقل امرأةً فما يحلُّ لك أن تفضح نبيَّ الله داود، فقال عمر بن عبدالعزيز: "هذا الكلام أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس".
غزوة خيبر أصبحت خيبرُ مصدر خطر على المسلمين، ومكان تجمع لليهود والمنافقين للتآمر على المسلمين وتهييج الخصوم لشن الحروب عليهم، ومر سابقًا أن غزوة الخندق كانت بتحريض من يهود خيبر، ومن الفاسق الكبير العميل للروم "أبي عامر الراهب"، فكان لا بد من اجتثاث المتآمرين في خيبر، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر في ألف وأربعمائة مقاتل ومعهم مائتا فارس، ونزل عند الرجيع بجيشه؛ ليقطع طريق التقاء اليهود مع أحلافهم من غطفان، كما يشعر بهذا غطفان بأن أي مدد منهم لليهود سيعرض ديارهم للغزو بسبب فقدان المقاتلين عندهم؛ ولذلك ضمن بهذا الموقع تحييد غطفان والانفراد بيهود خيبر، ثم زحف الجيش نحو حصون خيبر ليلًا، وعند الصباح خرج أهالي خيبر من حصونهم للعمل في المزارع وكانت المفاجأة، فعادوا أدراجهم وهم يصيحون: محمد والخميس؛ أي: والجيش، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، ثم حصرهم وضيق عليهم، فأخذهم حصنًا حصنًا، ومالًا مالًا، فكان أول حصن فتحه المسلمون حصن ناعم، ثم القموص وهو لبني أبي الحقيق، وفيهم الربيع بن أبي الحقيق، وكان فيه سبايا، منهم صفية بنت حيي زوجة الربيع، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، ثم حصن الصعب، وكان أكثرها طعامًا، ثم حصن الوطيح والسلالم، وهو آخرها.
العولمة والتهيئة في ضوء الجهود الحكومية والخاصة (الأهلية) في تدريب القوى العاملة المحلية، فإن هناك جهاتٍ دوليةً لها التزاماتُها في موضوع الرقي بالقوى العاملة، وتهيئة الموارد البشرية المواطنة، من خلال البرامج التي تقوم بها هذه الجهات - ومن أبرزها: جهود منظمة العمل الدولية، ثم منظمة العمل العربية - وإسداء المشورة وتكوين الخبرة، واستحداث التنظيمات والقوانين، التي تكفُل قيامَ قوى بشرية مدربة ومؤهلة لشَغْلِ سوق العمل، دون مزاحمة مباشرة من التقنية الحديثة. هذا مع التوكيد على تطويع البرامج والخبرة لمعطيات المنطقة الدينية والثقافية والاجتماعية؛ إذ من السهل استيرادُ نماذج جاهزة، لكن من الصعب جدًّا توقع نجاحها إن لم تكن قد خضعت لقدر عالٍ من التأصيل؛ إذ إنه "ليس من الحكمة أن يُفترض أن أيَّ تنظيم مؤسسي يجري استيرادُه من الدول المتقدمة اقتصاديًّا هو بالضرورة أكثرُ فائدة - من وجهة نظر التنمية البشرية - من المؤسسات التقليدية الموجودة في الدولة الأقل نموًّا. إن تيارَ العولمة كثيرًا ما يهدد باندثار تنظيمات مؤسسية وتقاليد عريقة في الدول النامية، لعبت طوال قرون عديدة دورًا فعَّالًا في التخفيف من أعباء الفقراء" [1] ، كما يذكر جلال أمين مؤلف: العولمة والتنمية العربية. من بين المؤسسات التي يذكرها المؤلف: مؤسستا الزكاة والوقف، اللتان "أصابهما الضعف والذُّبولُ مع زيادة اندماج الاقتصادات والمجتمعات العربية في العالم الحديث. إن المسؤولية عن مواجهة مثل هذه الأخطار تقع ليس فقط على حكوماتِ وشعوب الدول النامية، بل وكذلك على المؤسسات العاملة في ميدان التنمية الاقتصادية، والمنتمية إلى العالم الأكثر تقدمًا؛ فبينما تقع على الأولى مسؤوليةُ التَّمسُّك والثقة ببعض مؤسساتها التقليدية، التي ما زالت قادرة على القيام بدور إيجابي في التنمية وفي التخفيف من أعباء الفقراء، تقع على الأخرى مسؤولية التخلص من ذلك الاعتقاد البالي والثِّقةِ العمياء بأن أي مؤسسة عصرية أو أي تنظيم اجتماعي حديث هو بالضرورة أفضل وأكثر فعالية وأعلى - في مضمار التقدم - من أي مؤسسة قديمة أو تنظيم اجتماعي أبدعته ثقافة أمةٍ فقيرة" [2] . هذا يعني أن هناك بدائلَ موجودةً يمكن الإفادة منها إذا ما جرى عليها تطوير وتفعيل، بحيث تُسهِم في مشروعات التوطين من خلال دعم التدريب والتأهيل، ودعم مشروعات العمل الذاتي (الخاص) الصغيرة، التي تسهم بدورها في إيجاد فرص العمل للقادرين على دخول السوق؛ ليكونوا في البَدء رجالَ أعمالٍ بمنشآت صغيرة، لا يلبث بعضُها أن يتطور ويكبر وينموَ بفعل القيام عليها مباشرة، دون الاتكال على غيرهم في إدارتها، وجَني ثمارها من غيره على حساب صاحب العمل المبتدئ نفسه. من السهل على الجادِّين أن يبدؤوا صغارًا ثم يكبروا، ومن الصعب على المُستعجِلين أن يبدؤوا كبارًا ولا يصغروا، كما هو مضمون حديثِ الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض للشباب الخريجين في إحدى سنوات تخرُّجِهم من كليات التقنية في المملكة العربية السعودية، المقبلين على دخول سوق العمل يحدوهم الأملُ والطموح في توظيف ما تعلموه من مهارات في مجالها من سوق العمل الواعدة. [1] انظر: جلال أمين. العولمة والتنمية العربية - مرجع سابق - ص 86. [2] انظر: جلال أمين. العولمة والتنمية العربية - المرجع السابق - ص 86.
التفسير الصغير لفايز بن سياف السريح صدر حديثًا كتاب "التفسير الصغير"، تأليف: "فايز بن سياف السريح"، تقديم ومراجعة: "عبد الله بن عبد العزيز العواجي"، نشر: "دار الحضارة للنشر والتوزيع". وهو تفسير سهل موجز مختصر لكلمات القرآن بأوضح عبارة أتى بها الكاتب بعد مطالعة لغالب ما كتبه أهل التفسير، وقدّمها للقارئ في خلاصة لفهم كلام الله بشكل مُيسّر. يقول الكاتب: "وإنك أيها القارئ حين تطالع في كتب التفسير ستجد أن طرق التفسير متعددة، ومناهجه متنوعة، وجميعها يحتاج إليها الناس؛ كل بحسبه وعلى قدر وسعه؛ غير أن المقصود الأعظم من كلام الله تعالى تدبر آياته والعمل بما تضمنته من آياته، مما دعاني إلى كتابة تفسير انصب اهتمامي فيه على بيان ما أشكل معناه من كتاب الله بألفاظ دقيقة، وتعبيرات متينة، ومعان جامعة، وأقوال راجحة عند أهل التحقيق في هذا العلم، انتخبتها من معظم كتب التفسير، فجاء هذا الكتاب من أوجز ما كتب في تفسير القرآن الكريم، قريبًا على طالب معانيه، وسهلًا على من تأمل مبانيه، مفيدًا لمن كرر قراءته، ونافعًا لمن رام تحفظه، فهو خلاصة لما في كتب التفسير، ومفتاح يستعين به الطالب على جرد مطولات كتب التفسير فيما بعد، وقد سميته بالتفسير الصغير". وكان منهج الكاتب في تأليفه وانتخابه: • قصد بكتابة هذا التفسير بيان ما أشكل معناه من كتاب الله تعالى. • عمد الكاتب إلى تقليل عبارة التفسير وألفاظه ما أمكن إلى ذلك سبيلًا. • حاول أن تكون عبارة التفسير دقيقة متينة. • اقتصر الكاتب على قول واحد في التفسير؛ وهو ما ظهر له رجحانه من أقوال المفسرين. • حاول توضيح المعاني القرآنية وتسهيلها. • اعتمد في كتابة التفسير على طريقة الشرح الممزوج بالنص. • ترك تفسير الواضح واكتفى من ذلك بذكر نص الآية فقط؛ لظهور معناه وعدم حاجته إلى إيضاح. • يستطيع القارئ أن يختم منه القرآن؛ فيجمع بين التفسير والتلاوة. • ليس فيه شيء من الإسرائيليات. • يعتبر أوجز تفسير للقرآن الكريم فهو في 415 صفحة فقط. والكاتب "فايز بن سياف السريح" مهتم بعلوم القرآن والدورات التدريبية في تحفيظ القرآن، له من المؤلفات: • "قصص القرآن". • "أعلام القرآن". • "معالم السور". • "مدارسة القرآن". • "علوم القرآن سؤال وجواب". • "البينات في علم المناسبات". • "هدايات الآيات". • "نظرات في سور القرآن". • "كلمات القرآن".
العولمة والمعلومة العمالية أصبحت المعلومةُ هي المادة الأولية في القرن الحادي والعشرين، وهي أيضًا - حسب توفلر - ستكون مصدرَ النزاعات الدولية في المستقبل القريب [1] . إن منطقة الخليج العربية بدولها الست لا تزال - على تفاوت يسير بينها - تفتقر إلى المعلومة الدقيقة عن سوق العمل، وحجم طالبي العمل من المواطنين، ومدى تأهيلهم وقدراتهم الذاتية على العمل الميداني؛ مما نتج عنه غموضٌ في تحديد نسبة دقيقة للبطالة، بمفهوم البطالة العلمي الموضوعي الذي سبق الحديث عنه في وقفة سابقة من هذه الوقفات (الوقفة التاسعة عشرة). تُطوِّرُ دولُ مجلس التعاون الخليجية قدراتِها على توفير المعلومة في مجال العمل، وذلك من خلال إيجاد قواعد المعلومات الشاملة عن ظروف العمل وبيئته، وسوق العمل وإمكاناته، ومثال على ذلك: ما تقوم به وزارة العمل بالمملكة العربية السعودية التي جدَّت في إنشاء مركز لمعلومات العمل، يشتمل على قاعدة معلومات إلكترونية، وذلك منذ سنة 1418هـ/ 1997م عندما بدأت الوزارة ببناء هذا المشروع الذي يُشرِف على النهاية، بربط مكاتب العمل السبعة والثلاثين الموزَّعة في البلاد بقاعدة المعلومات المركزية في الوزارة، ويتعاون القطاعُ الخاص مع هذا المشروع بتزويد قاعدة المعلومات بما تتطلَّبه من معلومات أولًا بأول. هذا على الرغم من تَكرار الدعوات إلى إيجاد نُظُم معلومات العمل، ومراكزها، وقواعدها المعلوماتية الكفيلة بإذن الله تعالى بالقدرة على صُنعِ القرار في مجال تنمية الموارد البشرية، وتهيئتها لسوق العمل في المنطقة، مما يستدعي سرعةَ التنبُّه إلى ذلك عمليًّا، بعد أن تمَّ التنبهُ إليه نظريًّا من خلال توصيات الندوة الإقليمية حول التشغيل في إطار تنمية الموارد البشرية بدول مجلس التعاون، التي تمَّت بدولة البحرين بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بدولة البحرين، ومنظمة العمل الدولية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المدة من 5 - 7/ 8/ 1418هـ الموافق 6 - 8/ 12/ 1997م [2] . لا عبرة ببعض الأطروحات العَجلى التي أعطت البطالةَ الوطنية في المنطقة نسبًا دخلت في حيز العشرات بدلًا من الآحاد؛ إذ إنها في معظمها لا تتكئ على استقراءٍ علمي سليم، يُطبِّق المفهومَ الفني للبطالة. ويتطلع الجميعُ إلى الرقم الحقيقي المبني على أسلوب علمي سليم على مستوى منطقة الخليج العربية؛ حيث يضع في الحُسبان عدَّةَ متغيرات تتدخل في النظر إلى البطالة، بما في ذلك حسم النقاش المستمر حول الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل، الذي حددته منظمة العمل الدولية بخمس عشرة سنة [3] . هذا التحديد الذي يبدو أنه يحتاج إلى إعادة نظر ما أخذت دول المنطقة بإلزامية التعليم، وحددت سنواتِه؛ مما سيُعين بإذن الله تعالى على اتخاذ المزيد من الإجراءات النظامية (القانونية) في التصدي للبطالة [4] ، ومن ثَمَّ المُضي قُدُمًا في مشروعات التوطين وبرامجه، دون النظر إلى سلسلةٍ من الإحباطات الناجمة عن الصعوبات التي تكتنف هذا المشروع، بحيث أصبحت هذه الصعوباتُ تحدياتٍ في طريق توطين سوق العمل، الذي يؤكد واقعُه أن الوافدَ قد سيطر على معظمه، لا سيما في المنشآت التجارية الصغيرة، تلك التي تعتمد على تجارة التجزئة وتقديم الخدمات، وتمثل ما يصل إلى 90% من حجم سوق العمل في المنطقة؛ مما أوجد ممارساتٍ غيرَ نظامية (غير قانونية) في هذا الجو غير الطبيعي وغير الصحي، الذي ينخرُ في التركيبة العمالية المحلية، مما يمكن أن يدخل في مفهوم "مافيا سوق العمل". في الأحوال العادية - غير الحال الخليجية - التي يسيطر فيها الوافدُ على معظم سوق العمل، يمكن القول: إن العامل الوافد في الوقت الذي يسهم فيه في رفع كفاءة الإنتاج، وفي زيادة ربحية المؤسسات التي يعمل بها - إلا أنه يسهم "في الإخلال بعدالة توزيع الدخل في دول الاستقبال؛ حيث يرفع من دخل مالكي مؤسسات الإنتاج، ويُضعِف من دخل العمالة المواطنة، ويكون ذلك الاختلال أكثرَ وضوحًا عندما تُترك الأجورُ لتُحدَّد وَفقًا لعوامل السوق فقط، وهنا لا بد للدول المعنية من التدخل وتصحيح هذا الفشل للسوق، والحد من تأثيراته السلبية على استقرار المجتمع، وهذا أحد الأدوار المهمة التي ستؤديها الحكوماتُ في ظل العولمة، ومن خلال التدخل في تشريع وتقنين سوق العمل، خاصة في الدول ذات الندرة العمالية كدولنا الخليجية" [5] . رغم أن أنظمةَ قوانين العمل في المنطقة لا تتضمن التفرقةَ في الأجور بين العامل المحلي والعامل الوافد؛ فإن واقعَ الممارسة يُحتِّم على دول المنطقة ضرورةَ اقتراب متوسط أجور العمال المحليين مع متوسط أجور العمال الوافدين [6] ، لا بإنقاص أجور العمال المحليين - الأمر الذي لن يحصل - ولكن برفع كُلْفةِ العامل الوافد من حيث أجرُه ومن حيث استقدامه، وفي الوقت نفسه رفع كفاءة العامل المحلي، وتهيئته بالتأهيل والتدريب. [1] انظر: السيد ولد أباه، اتجاهات العولمة: إشكالات الألفية الجديدة - مرجع سابق - ص 2. [2] انظر: المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، نتائج وتوصيات... سلسلة توصيات ونتائج الملتقيات العلمية، ع 16 (ذو الحجة 1419هـ/ أبريل 1999م)، ص 53. [3] انظر: عدنان خليل التلَّاوي، القانون الدولي للعمل - مرجع سابق - ص 519 - 533. [4] أكدت مصلحة الإحصاءات العامة بوزارة التخطيط بالمملكة العربية السعودية - من خلال نشرها للبيانات الإحصائية على موقع الوزارة في الإنترنت - على أن حجم البطالة في البلاد قد وصل إلى 9،6%، لكن الخبير الاقتصادي الدكتور صالح بن محمد الشعيبي لا يرى أنها بطالة اقتصادية، بقدر ما هي بطالة هيكلية واجتماعية، لا سيما عند تطبيق المفهوم الفني الموضوعي للبطالة، كما ورد ذكره في الوقفة العشرون، وذلك في المحاضرة التي ألقاها في كلية الملك فهد الأمنية بالرياض في شعبان 1423هـ، ضمن فعاليات ندوة الأمن والمجتمع، سوق العمل في المملكة: الواقع والتحديات بعنوان: دراسة عن البطالة في اقتصاديات المملكة العربية السعودية. [5] انظر: أحمد هاشم اليوشع، عولمة الاقتصاد الخليجي: قراءة للتجربة البحرينية - مرجع سابق - ص 32. [6] انظر: أحمد هاشم اليوشع، عولمة الاقتصاد الخليجي: قراءة للتجربة البحرينية - المرجع السابق - ص 75.
من أقدار الله في التاريخ من أشهر الأحداث في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما يعرف بقصة يهود بني قريظة، وهي قبيلة يهودية كانت تسكن المدينة، وكانت كافرة وبقيت على كفرها حتى بعد مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم عهدًا إلا أنهم خانوه ونقضوا العهد في أثناء غزوة الخندق؛ حيث حالفوا قريشًا ضده صلى الله عليه وسلم، فأُتِي المسلمون من أمامهم (قريش وحلفاؤهم) ومن خلفهم (يهود المدينة ومنهم بنو قريظة)، وعظم الخطب، واشتدَّ الخوف، ونجم النفاق، وبقي المسلمون محاصرين قرابة شهر، ثم إن الله تعالى أرسل الريح والملائكة فانهزم المشركون وحلفاؤهم، وتورَّط اليهود! ثم توجَّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة فحاصرهم بضع عشرة ليلة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ؛ لأنهم كانوا حلفاءه فحكم فيهم بحكم الله: أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم ونساؤهم، ثم أمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فخُندقت لهم الخنادق، ثم أمر بضرب أعناقهم في تلك الخنادق أرسالًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم، ومن لم ينبت أن يتركوه. روى أبو داوود (4404) أن عطية القرظي قال: "كنت من سبي قريظة، فكانوا ينظرون: فمن أنبت الشعر قتل، ومن ‌لم ‌ينبت لم يقتل، فكنت فيمن ‌لم ‌ينبت"، وفي رواية: "فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي". فمن عجائب التقدير الإلهي أن عطية القرظي لم ينبت آنذاك، وكان صغيرًا حين شهد قتل قبيلته، ومن فضل الله عليه أنه أسلم بعد ذلك وصار صحابيًّا -رضي الله عنه- يروي ويُروى عنه، كما جاء في أُسْد الغابة (3/ 543). وجاء في تهذيب الأسماء واللغات للنووي: قال العلماء: لا نعرف له غير هذا الحديث، ولا نعرف نسبه، روى عنه مجاهد، وعبدالملك بن عمير، وكثير بن السائب، وحديثه هذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد صحيحة. قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح... [1] . فكانت تلك الأحداث بدءًا من خيانة اليهود ثم قتله صلى الله عليه وسلم لقريظة قومه خيرًا له، وفضلًا من الله عليه! ومثله أيضًا: كعب بن سليم القرظي ثُمَّ الأوسي، كَانَ من سبي قريظة الذين استحيوا إذ وجدوا لم ينبتوا، ولا تعرف لَهُ رواية... [2] ، وهو والد الإمام في التفسير محمد بن كعب القرظي، التابعي، جاء في ترجمته: أبو حمزة، القرظي، المتوفى سنة 108هـ، سمع ابن عباس، وزيد بن أرقم، قال أبو نعيم: مات سنة ثمان ومائة، سمع منه الحكم بن عتيبة، وابن عجلان، ويقال: محمد بن كعب بن سليم، وكان أبوه ممن ‌لم ‌ينبت يوم قريظة فترك... [3] . فانظر كيف كانت الأقدار الربانية؟! وكيف كان التدبير الإلهي؟! قال الذهبي: الإمام، العلَّامة، الصادق، أبو حمزة - وقيل: أبو عبدالله - القرظي، المدني، وكان أبوه كعب من سبي بني قريظة، سكن الكوفة، ثم المدينة. قالت أم محمد بن كعب القرظي له: يا بني، لولا أني أعرفك طيبًا صغيرًا وكبيرًا، لقلت: إنك أذنبت ذنبًا موبقًا؛ لما أراك تصنع بنفسك. قال: يا أماه، وما يؤمنني أن يكون الله قد اطَّلع علي، وأنا في بعض ذنوبي، فمقتني، وقال: اذهب، لا أغفر لك، مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمور حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي... وكان لمحمد بن كعب جلساء من أعلم الناس بالتفسير، وكانوا مجتمعين في مسجد الربَذَة، فأصابتهم زلزلة، فسقط عليهم المسجد، فماتوا جميعًا تحته... [4] . وشبيه بذلك جدًّا ما حدث لأحد أعظم شخصيات التاريخ الإسلامي في مواجهة التتار، وهو الملك المظفر قطز! سيف الدين ‌قطز هو واحد من أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين، واسمه الأصلي محمود بن ممدود، وهو من بيت مسلم ملكي أصلي، وهو رحمه الله ابن أخت جلال الدين بن محمد بن خوارزم الذي هزم التتار مرتين، ثم هزم وفر إلى الهند، ثم عاد إلى أرض فارس وقتل الكثير من المسلمين إلى أن قُتِل. فالتتار لما أمسكوا بعضًا من أهل جلال الدين بن خوارزم بعد فراره إلى الهند، كان ‌قطز أحد هؤلاء الذين أمسكهم التتار، فقتلوا بعضهم وأبقوا بعضهم؛ ليباعوا في سوق الرقيق، وكان ممن بقي محمود بن ممدود أو ‌قطز. ثم إنهم أطلقوا هم الذين أطلقوا على ‌قطز اسم ‌قطز، وهذه الكلمة بالتترية تعني: الكلب الشرس، فقد كان واضحًا على ‌قطز علامات القوة والبأس من صغره؛ فلذلك أطلق عليه التتار هذه الكلمة، ثم باعوه بعد ذلك في أسواق الرقيق في دمشق، واشتراه أحد الأيوبيين وجاء به إلى مصر، ثم انتقل من سيد إلى غيره حتى وصل في النهاية إلى الملك المعز عز الدين أيبك؛ ليصبح أكبر قوَّاده، ثم يكون ملكًا على مصر، وبعد فترة قصيرة من حكمه يواجه التتار (الذين أمسكوه وباعوه) ويرتطم معهم في معركة عين جالوت الشهيرة ويقتلهم قتل الخراف! [5] . وهكذا.. فكم في المحن من منح! ويا لأقدار الله، ما أعجبها! ويا لتدبيراته، ما أروعها! وإنه لباب للتفكر لو وجد عقلًا! ومجال للعبرة لو وجد قلبًا! [1] تهذيب الأسماء واللغات (1/ 533). [2] أسد الغابة في معرفة الصحابة (4/ 179) . [3] التاريخ الكبير (1/ 216). [4] سير أعلام النبلاء (5/ 65). [5] دروس صوتية بعنوان: التتار من البداية إلى عين جالوت، الشريط الثامن.
دعوة الملوك إلى الإسلام تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية إلى الدعوة في الآفاق، وإلى مراسلة ملوك الفرس والروم والقبط، فأرسل لهم الكتب التي تدعوهم إلى الإسلام. • أرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس بمصر، فقبل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى إليه مارية القبطية وأختها، ومعهما خادم، وحمار اسمه يعفور. • أرسل شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، فلما قرأه قال: أنا ثائر إليه، ثم قتل شجاع بن وهب. • وأرسل دحية الكلبي إلى قيصر "هرقل"، فاستشار صاحب رومية فقال له: إنه النبي الذي كنا ننتظره لا شك فيه، فاتبعه وصدقه، فجمع أهل الدين عنده وعرض عليهم الأمر وأنه يريد الدخول في الإسلام فنخروا عليه نخرة واحدة، وهددوه في ملكه، فصرف النظر، وقيل: أرسل بطلب رجل من العرب فأتوا بأبي سفيان وكان في تجارة بالشام فأحضروه، وسأله هرقل عن النبي الذي ظهر عندهم وعن صفاته وأخلاقه حتى وقر في قلبه - بعد أجوبة أبي سفيان - أنه النبي المنتظر، لكنه قال لدحية: إن صاحبك نبي مرسل، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته، وروي أيضًا أن هرقل أرسله إلى الأسقف الأعظم ضغاطر، وعرض عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فصدقه، ثم جمع الروم في الكنيسة وقال: يا معشر الروم، قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا إلى الله، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فوثبوا عليه فقتلوه. • وأرسل عبدالله بن حذافة إلى كسرى، فأعطاه كسرى فمزقه، وكاد يقتل عبدالله، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمزق الله ملكه، وأرسل كسرى إلى عامله باذان في اليمن أن يرسل رجلين جلدين فليأتيا بمحمد، وقدما المدينة، فأخبرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله، وبعث معهما إلى باذان يدعوه إلى الإسلام ويقره على اليمن، فأسلم باذان. • وأرسل عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، فلما سلمه الكتاب آمن، وعز المسلمون في الحبشة، وكانوا لا يزالون في الحبشة مع جعفر في أمان، وحدث أن ارتد عبيدالله بن جحش، فانفصلت عنه زوجته رملة بنت أبي سفيان، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من النجاشي أن يزوجه رملة، ففعل، وأصدقها أربعمائة دينار، فلما سمع أبو سفيان بهذا الزواج قال: ذاك الفحل لا يُجدَع أنفه، وعاد المسلمون بعد ذلك من الحبشة في السنة السابعة عام فتح خيبر. • وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين - الأحساء - من قِبل الفرس، فلما قرأ الخطاب أسلم، وأسلم عرب تلك المنطقة، ومن كان فيها من الفرس أو اليهود أو النصارى فترك لهم حرية الاختيار بين الإسلام أو الجزية. • وأرسل سليط بن عمرو إلى هوذة بن علي ملك اليمامة - وكان نصرانيًّا - فلما قرأ الكتاب أرسل وفدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون له: إن أشركته في هذا الأمر من بعدك أسلم وسار إليك ونصرك، وإلا فسيقصدك لحربك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ولا كرامة، اللهم اكفِنيه))، فمات بعد قليل. نموذج من خطاب النبي للملوك: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وإني أدعوك بدعاء الله، وإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر ﴿ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [يس: 70]، لقد تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم للدعوة العالمية بعد صلح الحديبية منفِّذًا قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [البقرة: 119]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وأي رحمة بهؤلاء العالمين أفضل من أن يدعوهم إلى الإسلام وينقذهم من ضلال الكفر وعذاب جهنم الأبدي؟ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67].
داود وسليمان عليهما السلام (1) نتحدَّثُ عن النبيَّيْنِ الرسولَيِنْ الملِكَيْنِ الكريمَيْنِ داودَ وسليمانَ عليهما الصلاة والسلام، وكان أوَّلُ ذِكْرٍ ثابت لداود عليه السلام هو ما قصَّه الله تبارك وتعالى عن قتلِ داودَ لجالوت في الحرب التي دارت بين طالوت وجالوت في فلسطين، والظاهر من سياق القرآن الكريم لقصة هذه الحرب يُفيد أنَّ بني إسرائيل قد حاربهم جماعة من الوثنيين، وأخرجوهم من ديارهم وأبنائهم، وكان على رأس هؤلاء الوثنيين جالوت لعنه الله، وقد كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياءُ، كلَّما مات نبي بعث الله عز وجل لهم نبيًّا آخر، يشرح لهم التوراة، ويحكم بها فيهم، ويبيِّن لهم ما غيَّروه وحرَّفوه وبدَّلوه من الكلم عن مواضعه، على حد قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ﴾؛ (أي انقادوا لأمر الله) ﴿ لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾؛ (أي صاروا يهودًا) ﴿ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44]، وقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلَك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي ))، فكان أنبياء بني إسرائيل كعلماء أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم سوى أنه كان يُوحى إليهم، فلما اشتدَّت الحرب على بني إسرائيل طلبوا من نبيِّهم أن يبعث لهم ملكًا يقاتلون تحت رايته أعداء الله من الوثنيين، فأخبرهم نبيُّهم عليه السلام أنه يخشى عليهم أن ينكلوا عن القتال إذا فرض عليهم ولا يَفُوا بما التزموا به، فقالوا: ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾ [البقرة: 246]؛ أي: أُخذت منا البلاد وسُبيت الأولاد، فأخبرهم نبيُّهم عليه السلام أن الله قد عيَّن لهم ملِكًا منهم هو طالوت، فاعترضوا على هذا التعيين، وقالوا: كيف يُعيِّنُ اللهُ علينا طالوت ملكًا ولم يكن في آبائه من ملك؟! فنحن أحقُّ بالملك منه، مع أنه فقير قليل المال، فأجابهم نبيُّهم عليه السلام بأن الله عز وجل قد اختاره عليكم وفضَّلَه من بينكم، وقد أعطاه الله عز وجل بسطَةً في العلم والجسم، فهو أعلم منكم بشؤون الحروب وتدبير الأمور، وأشد منكم قوَّة وصبرًا وجلدًا لملاقاة الأعداء، فلا تعترضوا ولا تتعنَّتُوا، وأنتم تعلمون أن الله هو الذي اختارَه وعيَّنه ملكًا عليكم، والله يؤتي مُلكَه من يشاء، والله واسع عليم، وقال لهم نبيُّهم: إن الله تبارك وتعالى جاعلٌ لكم آيةً على صحَّةِ مُلْك طالوت عليكم؛ وهي رجوع الصندوق الذي يشتمل على بعض آثار موسى وهارون، وقد عجزتم عن إرجاعه من يدِ مغتصبيه، ولن يُطلب منكم بذل مجهود في استرجاعه، بل سيجيء الصندوق تحملُه الملائكة فيه طمأنينة لبني إسرائيل، ودلالة ظاهرة على أن الله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، فصدِّقوا وَعْدَ الله وسارِعوا إلى طاعة طالوت وآمِنوا بما أخبرتكم به عن الله عز وجل، ولَمَّا انقادوا لذلك وتهيؤوا لقتال جالوت وجنوده تحت راية طالوت رحمه الله، وكان من بينهم داود عليه السلام، أخبرهم طالوت رحمه الله أن الله عز وجل سيختبرهم؛ حيث يَمُرُّون بنهرٍ وهم عطاش وهو يمنعُهم من الشرب منه لما يعلمه الله عز وجل أن الشرب منه يضرُّهم، والعجيب أنه لا يزال بعض قادة الجيوش إلى اليوم يحرِّمون على جنودهم أن يشربوا في أثناء زحفهم على عدوِّهم؛ لما يترتَّب على ذلك من الضرر بصحتهم، إلا أنهم يجيزون لهم أن يبلوا ريقهم بلًّا خفيفًا؛ ولذلك أذن طالوت لجيشه بأنه لا مانع من أن يغترف الواحد منهم غُرفة بيد تَبُلُّ ريقَه، ولا تعتبر شربًا، وهذا من آثار بسطة عِلم طالوت رحمه الله، وقد حذَّرهم طالوت وعرَّفهم أن مَن شرب من هذا النهر لا يصحبه في قتال أعداء الله من الوثنيين أتباع جالوت، ولا يجاوز النهر، غير أنه عندما وصل هذا الجيش إلى النهر عصوا طالوت وشربوا منه سوى عددٍ قليل منهم امتنع عن الشرب من النهر طاعة لطالوت رحمه الله. وقد جاء في بعض الآثار الصحيحة أن الذين جاوزوا النهرَ مع طالوت كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا بعدد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرًا أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهرَ بضعة عشر وثلاثمائة، قال البراء: لا والله، ما جاوز معه النهر إلا مؤمن، وفي لفظٍ للبخاريِّ عن البراء قال: "كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أنَّ عدَّة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن: بضعة عشر وثلاثمائة"، وفي لفظ للبخاري رحمه الله من حديث البراء رضي الله عنه قال: "كنا نتحدَّث أن أصحاب بدر ثلاثمائة وبضعة عشر بعدَّة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جاوز معه إلا مؤمن". ولما جاوز طالوتُ النهرَ هو والذين آمنوا معه وجدوا أن عدوَّهم جالوت قد حشد جنودًا، وأعدَّ عدَّةً عظيمة، فقال بعض المؤمنين من أصحاب طالوت: لا طاقة ولا قدرة لنا اليوم على قِتال هذا العدوِّ الكثير؛ كأنهم استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم، فشجَّعهم علماؤهم العالمون بأن وعد الله حقٌّ، وأن النصر من عند الله ليس بكثرة العدد وقوة العدد، وأنه ينبغي للمسلم أن يرغب في الاستشهاد ولقاء الله في سبيل الله قائلين لهم: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ [البقرة: 249، 250] سألوا الله عز وجل أن ينزل عليهم الصبرَ، وأن يُثبِّت أقدامهم في لقاء الأعداء، وأن ينصرهم على القوم الكافرين، فاستجاب الله دعاءهم ونصرهم على أعدائهم، وقتل داودُ جالوتَ ملكَهم، وسارع طالوت بالتنازل عن الملكِ لداود، وبعث الله عز وجل داودَ نبيًّا رسولًا، وجعله ملِكًا كريمًا على بني إسرائيل، وقد أثنى الله تبارك وتعالى على طالوت ووصفه بأوصاف كريمة. أمَّا ما زعمه بعضُ المفسرين والإخباريين من أن طالوتَ حسدَ داودَ وأصيب بالجنون وهام في الصحراء، فإنَّه زَعْمٌ باطلٌ لا دليل عليه من خبر ثابت، وقد أورد الله تبارك وتعالى قصَّةَ طالوت وحربه جالوتَ، وتمليك داود حيث قال: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 246 - 252].
العولمة والبطالة هناك أُطروحاتٌ تذكر أن التوجهَ إلى العولمة سيزيد من حِدَّةِ البطالة في العالم كافة، وفي الدول المتقدمة بخاصة، وهناك من يتوقع "بنمو سريع في جزءٍ كبير من العالم الثالث في شرق آسيا وجنوبها، ومن المحتمل في أمريكا اللاتينية، وسوف تُحوِّل معدلاتُ النمو العالية والمستمرة نصيبًا ملحوظًا من الإنتاج العالمي إلى الدول النامية الكبرى؛ مثل: الصين والهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية" [1] . المتوقع أنه "بحلول عام 2020 سوف تمثل الدولُ النامية أكثرَ من 60% من الإنتاج العالمي، في حين تمثل الدول الصناعية الغنية أقل من 40%" [2] . هذا الطرحُ المتشائم قد يؤدي إلى الحدِّ من المزيد من الرغبة في الهجرة إلى الدول المتقدمة، التي لم تعُدْ قادرة على استيعاب المزيد، كما قد يؤدي إلى نشوء "عمالة" رخيصة، ذات أجور منخفضة أو متدنية، تهاجر إليها الأعمالُ، بدلًا من أن تهاجرَ هي إلى مواطن العمل، مما يؤثر على نوعية الإنتاجية [3] . تملك العولمة "إمكاناتٍ هائلة لنقل البطالة من مكان إلى آخر، فإذا كانت الاستثماراتُ تتدفَّق على بلد بسبب انخفاض أجور الأيدي العاملة مثلًا، فإن تلك الاستثماراتِ تظل على أُهبةِ الاستعداد للرحيل إلى بلد آخر، تكون الأجور فيه أرخص" [4] ؛ لهذا وبسبب العولمة، "وعبر نشاطاتِ الشركات المتعددة الجنسية، لجأت كثيرٌ من الصناعات التحويلية في أوروبا وغيرها إلى الانتقال إلى البلدان النامية؛ للاستفادة من المزايا والامتيازات التي وفرتها تلك البلادُ للاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ من نحو: الإعفاءات الضريبية، ورخص الطاقة والأرض واليد العاملة، وتحمل تكلفة التلوث البيئي" [5] . يذكر حسين عبدالهادي في هذا الصدد أن "هناك خطةً لتوزيع الصناعة عالميًّا، واتجاهًا واضحًا إلى إبقاء أنواع الإنتاج التي تتطلب جهودًا علمية أكبرَ في الدول الصناعية المتقدمة، ونقل الأنواع الأقل تعقيدًا والأكثر سكونًا، والتي تتطلب جهودًا عضلية كبرى إلى البلدان النامية؛ حيث اليدُ العاملة أرخص، وحيث تكون اعتباراتُ حماية البيئة أقلَّ تشدُّدًا" [6] . ظهر في بعض الدول النامية ما يمكن تسميتُه بمناطق الصناعات التصديرية، "وتضمُّ هذه مئات المصانع التي تصنع منتجاتِ الشركات الأجنبية: الثياب التي يشتريها الناس في الشوارع الرئيسية في بريطانيا، وفي المراكز التجارية في أمريكا الشمالية وأستراليا؛ من الأحذية الرياضية الشهيرة غاب إلى نايكي وأديداس وريبوك، التي تُباع بنحو 100 جنيه إسترليني للزوج الواحد في شارع أكسفورد بلندن، ويعمل في هذه المصانع عمالٌ يتقاضون ما يعادل دولارًا واحدًا في اليوم" [7] ، وقد تدوم ساعاتُ العمل في هذه المصانع إلى ست وثلاثين ساعة دون ترك المصنع [8] . هذا بدوره وفي الوقت نفسه مؤشر خطر بالنسبة للدول المتقدمة، لا سيما مع هذا التنامي في الحاجة إلى سدِّ النقص في عدد سكانها المتراجع [9] ، في ضوء تناقص الهجرة إلى الشمال، الذي يصاحبه التناقصُ في التكاثر المحلي، بما يطلق عليه "موت الغرب" [10] ؛ بحيث يصبح البِيضُ في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية أقلَّ من 50% من عدد السكان، وتصبح الثقافات الأخرى غير الأوروبية - كالثقافة الإسلامية - تقتربُ من الثقافة الغربية القائمة على التقاليد المسيحية ثم اليهودية، فاختلط الأنا بالآخر، عندما أصبح الآخرُ جزءًا من المسرح الغربي [11] ؛ مما أدى - ولأسباب ثقافية واقتصادية أخرى - إلى الالتفاف على قوانين الهجرة، وإعادة النظر فيها، واقتصارها على العمال الماهرين (العقول Brain Drain )، وليس العمال غير الماهرين (السواعد) [12] ، مع تشجيع العودة للأسرة "التقليدية"، ودعم الإنجاب للوصول إلى الحد الأدنى للبقاء، وهو معدل 2,1، في مقابل الواقع الذي وصل المعدل فيه إلى 1,2، كما تذكر صحيفة الهيرالد تريبيون في عددها ليوم الاثنين 4/ 9/ 2006م. هذا بالإضافة إلى بروز ظاهرة الهجرة العمالية المعاكسة؛ حيث أفرزت أحداثُ يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر جُمادى الآخرة 1422هـ الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ظهور شعور بالاضطهاد للعرب والمسلمين ومَن في حُكمهم في الدول المتقدمة؛ مما جعل العمالَ العرب والمسلمين المهاجرين - وتدخل معهم فئاتٌ إثنية وثقافية شرقية أخرى - يبدؤون في إعادة النظر في تقويم وجودهم في البلاد الغربية، والموازنة بين الحقوق التي يحصلون عليها في مقابل ما يتعرضون إليه وأُسرهم من مضايقاتٍ، على مستويات اجتماعية من بيئة العمل إلى وسائط التفاعل الاجتماعي. هذا بالإضافة إلى عوامل الترحيل، التي يتعرض لها العمال العرب والمسلمون ومن يدخل في حكمهم في ضوء الحملة على الإرهاب، لا سيما أن هناك إشاراتٍ "إلى أن العائدين اشتكوا من سوء المعاملة داخل السجون الأمريكية لأصحاب الجنسيات العربية" [13] ، فأضحى هؤلاء العمالُ ضحايا بريئةً للحملة على الإرهاب [14] . أما إذا أردنا تطبيقَ ذلك على منطقة الخليج العربية، فإن مفهوم البطالة الذي وضعته منظمة العمل الدولية، المتمثل في: رغبة العامل في وجود عملٍ يملِك العاملُ التأهيلَ له، ويبحث عنه فلا يجده - قد لا ينطبق موضوعيًّا على وجود عدد من الباحثين عن العمل من المواطنين الخليجيين؛ ذلك لافتقار بعضِهم إلى الرغبة، وافتقار فئة ثانية إلى التأهيل والتدريب، وحاجة البقية إلى الجدية في البحث عن العمل، وانصراف فئة رابعة، وهي الأغلبية، إلى العمل الحكومي؛ حيث الأمان الوظيفي من جهة، وحيث التساهل في قياس الإنتاجية من جهة ثانية، وحيث التهاون في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب من حيث الانضباط في العمل من جهة ثالثة؛ مما أدى إلى اتهام الوظيفة الحكومية بأنها مرتعٌ للبطالة المقنَّعة. هذا مفهومٌ للبطالة أوسع من التعريف المهني المباشر لها؛ "فالذي لا يعمل هو في حالة بطالة لا نقلل من شأنها، ولكن الذي يعمل تحت إجبار الاحتياج ولا يربطه بعمله إلا المقابل المادي، هو أيضًا في حالة بطالة من نوع آخرَ، لا يقل خطورةً في معناه وأبعاده وعواقبه الاجتماعية والنفسية" [15] . يأتي هذا الاحترازُ توكيدًا على تعريف البطالة الذي تبنَّاه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على أنه: "كل الأفراد فوق سِنٍّ معينة ممن لا يعملون بأجر أو لحسابهم الخاص، والمتوفرين للعمل، واتخذوا خطوات محددة؛ بحثًا عن عمل بأجر أو لحسابهم الخاص" [16] . مع هذا لا بد من التسليم بوجود بطالة في منطقة الخليج العربية بين الشباب من الجنسين خاصة، وأن على دول المنطقة اتخاذَ التدابيرِ المناسبة "لتنسيق الحماية من البطالة فيها في سياستها في مجال العمال، وتحرص لهذا الغرض على أن يُسهمَ نظامُ الحماية من البطالة فيها - لا سيما طرائق تقديم إعانات البطالة - في تعزيز العمالة الكاملة والمنتجة والمختارة بحرية، وألا يكونَ من أثرها عدمُ تشجيع أصحاب العمل على عرض عمالة منتجِة، والعمال عن البحث عن هذه العمالة" [17] ، هذا نصٌّ من المادة الثانية من الاتفاقية الدولية ذات الرقم (168) لعام 1988م، والتوصية ذات الرقم 176 من العام نفسه، بشأن تعزيز العمالة والحماية من البطالة. لا تتوسع هذه الوقفة في مناقشة آثارِ البطالة الاجتماعية، التي تؤدي إلى "كثير من التخلخل الاجتماعي، في صورة تطرف سياسي أو ديني أو طائفي، إلى شيوع الاتِّجار وتعاطي المخدرات، وإلى مختلف ظواهر العنف والجريمة والإرهاب، وإلى إدمان الخمور والقِمار، وإلى مختلف ظواهر الاغتراب، وما عُرف بالهَوَس والتحرر الشبابي" [18] . كلُّ هذه القلاقل قد تحصل في أي مجتمع متقدم أو نامٍ [19] ، بما في ذلك منطقة الخليج العربية، التي تُعدُّ منطقةً جاذبة لمثل هذه القلاقل جرَّاءَ وجود عمال غيرِ مواطنين عاطلين عن العمل، مع وجود مواطنين عاطلين عن العمل [20] ، في الوقت الذي تملك فيه دولُ المنطقة القدرةَ على تقليص هذا الوضع العمالي غير الطبيعي، بمواصلة الجهود في التخلُّص من العمال الوافدين الزائدين عن الحاجة، وضبط السوق الخليجية، بحيث يعمل العاملُ فيما استُقدم له، وتطبيق أنظمة مكافحة التستر [21] ، وبعض الأمور الإجرائية العمالية التي لا بد منها، والتي تتطابق مع الاتفاقيات العمالية الدولية، وتتوافق مع مواثيق حقوق الإنسان. [1] انظر: عاطف السيد، العولمة في ميزان الفكر: دراسة تحليلية، د. م: المؤلف، 2002م، ص 118 - 119. [2] انظر: عاطف السيد، العولمة في ميزان الفكر: دراسة تحليلية - المرجع السابق - ص 118. [3] انظر: ميشيل تشوسودوفيسكي، عولمة الفقر/ ترجمة محمد مستجير مصطفى، القاهرة: مجلة سطور، 2000م، ط 2، ص 77 - 78، وانظر كذلك: بهاء شاهين، العولمة والتجارة الإلكترونية - مرجع سابق - ص 28. [4] انظر: عبدالكريم بكار، العولمة: طبيعتها - وسائلها - تحدياتها - التعامل معها، عمان: دار الأعلام، 1421هـ/2000م، ص 94. [5] انظر: عبدالكريم بكار، العولمة: طبيعتها - وسائلها - تحدياتها - التعامل معها، المرجع السابق، ص 92. [6] انظر: حسين عبدالهادي، العولمة النيوليبرالية وخيار المستقبل، جدة: مركز الراية للتنمية الفكرية، 1424هـ/ 2004م، ص 355. [7] انظر: جون بلجر، أسياد العالم الجدد/ ترجمة عمر الأيوبي، بيروت: دار الكتاب العربي، 2003م، ص 21 - 22. [8] انظر: جون بلجر، أسياد العالم الجدد - المرجع السابق - ص 21. [9] انظر: جاك غودي، الإسلام في أوروبا/ تعريب جوزف منصور، بيروت: عويدات، 2006، ص 223. [10] انظر: باتريك ج. بوكانن، موت الغرب: أثر شيخوخة السكان وموتهم وغزوات المهاجرين على الغرب/ نقله إلى العربية محمد محمود التوبة، راجعه محمد بن حامد الأحمري، الرياض: مكتبة العبيكان، 1425هـ/ 2005م، 529 ص. [11] انظر: جاك غودي، الإسلام في أوروبا - مرجع سابق - ص 223. [12] انظر: موضوع هجرة العقول العربية، في: نجاح كاظم، العرب وعصر العولمة: المعلومات؛ البعد الخامس - مرجع سابق - ص 227 - 233. [13] انظر: محمد رؤوف حامد، القفز فوق العولمة، القاهرة: دار المعارف، 2003م، ص 65 - 76، (سلسلة اقرأ؛ 683). [14] انظر: محمد بن عبدالله السلُّومي، ضحايا بريئة للحرب العالمية على الإرهاب، الرياض: مجلة البيان، 1426هـ/ 2005م، ص 304 (سلسلة كتاب البيان؛ 63). [15] انظر: منى حلمي، الحب في عصر العولمة - مرجع سابق - ص 35. [16] انظر: تقرير التنمية البشرية لعام 2001: توظيف التقنية الحديثة لخدمة التنمية البشرية، القاهرة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2001م - ص 256. [17] انظر: عدنان خليل التل َّ اوي، القانون الدولي للعمل: دراسة في منظمة العمل الدولية ونشاطها في مجال التشريع الدولي للعمل، جنيف: المكتبة العربية، 1410هـ/ 1990م، ص 361 - 362. [18] انظر: حامد عمَّار، مواجهة العولمة في التعليم والثقافة، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006م، ص 99. [19] انظر: فتحي قابيل محمد متولي، مشكلة البطالة: الأسباب - المعوقات - الحلول، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008م، ص 87 - 89. [20] انظر: سيد عاشور أحمد، مشكلة البطالة ومواجهتها في الوطن العربي، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 2008م، ص 117 - 142. [21] محمد عبدالله البكر، أثر البطالة في البناء الاجتماعي: دراسة تحليلية للبطالة وأثرها في المملكة العربية السعودية، مجلة العلوم الاجتماعية (جامعة الكويت)، مج 32 ع 2 (2004).
أسئلة بحثية ومناقشة عقلية يمكن أن تسهم إلى حدٍّ ما في توظيف أي ميدان به كوادر بشرية التوظيف الأمثل عندما يكون ميدانُ أيِّ جهة مجالًا خصبًا للتجارب المفاجئة، والأفكار الآنية، فسيبقى في مجال التأرجُّح، وضعف الوصول لتحقيق الأهداف الغائية بعيدة المدى، فما يكون آنيًّا ينتهي كما بدأ. ولذا أرى أن تُطرَح بعض الأسئلة البحثية والمناقشة العقلية لأي فكرة أو مشروع أو برنامج، يُطرَح في مجال عام أو خاص على أصحاب القرار قبل أن يُزَجَّ به في الميدان: هل هذه الفكرة مدروسة أم فكرة عاجلة آنية مطروحة؟! وهل معايير التمايز والتفاضل بين هذا وذاك في هذا المشروع أو البرنامج معلنة للفئة المستهدفة كثقافة عامة؛ لتقدِّم الفئة المستهدفة أجود ما لديها؟! وإن كانت المعايير معلنة وثقافتها تشبع بها الميدان والفئة المستهدفة، فهل حدد ما سيقدم للفئة المكرمة أو الموهوبة أو المستقطَبة - من هذا البرنامج أو ذلك المشروع - من الفرص والمجالات التطورية، والاحتواء الفعلي لهم بعد التكريم وتسليط الأضواء عليهم، والاستفادة منهم فيما خُصِّص لهم وبرَعوا وبزوا فيه غيرهم، أم سيكون تكريمًا عابرًا ويُطوى مع النسيان بعد فترة وجيزة من طرح الفكرة أو المشروع أو البرنامج، مقابل ما سيُنفق عليها من الوقت والمال والجهد؟
جوانب العظمة في حياة أبي بكر الصديق رضى الله عنه قبل الإسلام وبعده دائمًا ما يحب الناس قراءة التاريخ، والتعرف على أحداثه، من قبيل التسلية أو التعلم من هذا التاريخ؛ لما في ذلك من سرد لأحداث التاريخ التي مضت، وذكر لجوانب عظمة المسلمين وفترات توهجهم وحضارتهم التي عمرت الدنيا، ولا غرو فتاريخ المسلمين هو مَعِين ومرجع كبير، نتعلم منه الأحكام الشرعية والعبادات والشعائر، والأمور السياسية والاجتماعية، وغيرها من أمور الحياة العامة والخاصة. وعلى مسار هذه الأحداث والسنين تجد أن كتب التاريخ تعتني بشكل كبير جدًّا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، سواء سيرته العطرة أو أعماله العظيمة، ودلائل نبوته، ويكون هناك إسهاب في شرح هذه السيرة، وعرض مُفصَّل لها ولأحداث حياته، وللأمور الغيبية التي تحدث عنها، ثم يتبع ذلك مرور سريع وعجيب على سيرة أبي بكر الصديق، ولا يأخذ الصديق حقَّه من عرض سيرته بالتفصيل، وتوضيح جوانب عظمته والتعلم منها، ثم يتبع ذلك تبحر في سيرة عمر بن الخطاب؛ حيث تُكتَب فيه الكتب، وتُعدُّ البحوث،... إلى غير ذلك من الشخصيات؛ كخالد بن الوليد، وصلاح الدين. فأرى أن أبا بكر هو الأقل حظًّا في هؤلاء كلهم من حيث الاهتمام بسيرته وعرضها بالتفصيل وبالبحث، لا تكثر الكتب المعرفية المناسبة لشرح جوانب عظمة الصديق، فلقد كانت سيرته ناصعة البياض، ونموذجًا لا ترى في الزمان مثله بعد الأنبياء. وبالنظر إلى التراث العلمي المتاح حاليًّا، نجد القليل مما كتب عن حياة أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه. لذا أجد لزامًا أن نتبحر أكثر ونغوص في حياة الصِّدِّيق؛ لنستخرج ما فيها من درر وجواهر، ترشدنا في طريق النهضة الحديثة، فحياة الصِّدِّيق رضي الله عنه قبل الإسلام وبعده، قبل خلافته وبعدها كانت كلها مواقف عظيمة تدل على السمات التي اتصف بها، وأخلاقه الحميدة التي تماثل بشكلٍ كبير أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غرو فقد كان أشد الصحابة تمسكًا بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال في خطبته الأولى: "إنما أنا مُتَّبع، ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني"، في سياسية واضحة يرسم بها خريطة وطريقة حكم المسلمين في خلافته. ولكل ما سبق أجد أن الحديث عن حياة الصِّدِّيق المليئة بالأحداث العظيمة لَهُوَ أمر واجب في هذا الزمان، وفيما يلي عرض لبعض جوانب عظمة الصِّدِّيق رضي الله عنه، وما يُستفاد منها في عصرنا الحاضر، وسيتم استكمالها في مقالات لاحقة تليق بصاحب السيرة الطيبة وما يستفاد منها لعصرنا الحاضر: أولًا: قبل الإسلام: 1- منزلة أبي بكر العظيمة في قومه قريش قبل الإسلام؛ حيث كان صاحب الدِّيَات والمغارم، وهي وظيفة مرموقة تماثل وزير التضامن الاجتماعي حاليًّا، فكان مسؤولًا عن تجميع الديات وتسليمها لأهل الميت، وكذلك سداد الديون عن الغارمين، وهي وظيفة ولا شك ستدفعه إلى أن يتصدق من ماله لأداء هذه الوظيفة. 2- عالم الأنساب: كان أبو بكر نسَّابة قريش، فمن أراد أن يعرف نسب أي شخص يرجع إلى أبي بكر؛ فهو عنده العلم بهذا الباب، وهي ثقة كبيرة من قريش فيه ليكون هو المحدِّث بأنسابهم، وكان أبو بكر عفَّ اللسان، فإذا رأى في عِرْضِ أحدٍ شيئًا تجاوز عنه. 3- كان أبو بكر يتصف بصفات عظيمة كما وصفه ابن الدغنة، عندما أراد أبو بكر الهجرة إلى الحبشة؛ قال له ابن الدغنة: "فوالله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتكسب المعدوم"، وكان حلو المعشر سهلًا لينًا، صدوقًا مقربًا. ثم بعد الإسلام: 1- الصاحب والصديق: هو صاحب النبي وصديقه؛ فقد كانا متقاربين في السن (النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من أبي بكر بعامين فقط)، وكانت الثقة والمودة بينهما عظيمة جدًّا. 2- فكره : لما جاء الإسلام وعَرَضَهُ النبي على أبي بكر لم يتوانَ أبو بكر أن يعلن إسلامه من أول لحظة، فكان أول الرجال إسلامًا. 3- إنفاق ماله : أول من حرر العبيد في الإسلام، فصرف ماله على إعتاق العديد من الصحابة المشهورين، وهو ما تكرر طوال أيام حياته في العديد من المواقف قبل الهجرة وبعدها. 4- الداعية الثاني : كان أبو بكر ثاني الدعاة إلى الإسلام، ففي ثوانٍ أتى بعدد من كبار الصحابة السابقين لاحقًا ليدخلوا هذا الدين؛ مثل أبي عبيدة بن الجراح، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن بن عوف. 5- الصاحب في الهجرة : اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون صاحبه في الهجرة، فكانت منزلة عظيمة لأبي بكر أن يكون هو المصاحب للنبي في الهجرة، ونال بشرفها قرآنًا يُتلى إلى يوم الدين. 6- أمير الحج الأول : في عام 9 للهجرة، وهو العام الذي أوحى الله لنبيه أن يقيم مناسك الحج على منهج إبراهيم عليه السلام، وأن يرسي معالم ومنهجية الحج في الإسلام، فأرسل النبي أبا بكر الصديق أميرًا على الحج إلى مكة؛ ليبلِّغ الناس تعاليم الدين ونظامه في الحج. 7- الإمام الثاني للمسلمين : في الفترة الأخيرة من مرض النبي صلى الله عليه وسلم، أمر أبا بكر أن يصلي إمامًا بالمسلمين في المسجد النبوي، فكان أول من أمَّ الناس بالصلاة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. 8- الخليفة الأول : كما كان هو المؤمن الأول، والصاحب الأول، والداعية الثاني، كان هو الخليفة الأول الذي تولى الخلافة في وقت عصيب جدًّا، فعنده ميراث النبوة الذي يجب أن يسير على منهجه في كافة أموره، وعنده قبائل العرب التي ارتدَّ معظمها عن الإسلام، فكانت مهامُّ جِسامٌ سنأتي على ذكرها إن شاء الله. 9- ثبات وصبر: عندما بلغ المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، وهنت قواهم وأصابهم الذهول، ولم يعرفوا كيف يتصرفون وفزعوا فزعًا شديدًا، إلا أبا بكر الصديق، فبالرغم من حبه الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ثابتًا صابرًا راضيًا بقضاء الله عز وجل، وجعل يُثبِّت الناس على الدين. 10- الفاتح الأول : بعد توليه الخلافة والقضاء على المرتدين، بدأ أبو بكر في تنفيذ وعود ونبوءات النبي صلى الله عليه وسلم من فتح فارس والروم، فبدأ أبو بكر في إرسال الجيوش لفتح هذه البلاد، وكان ذلك في وقت قياسي منذ توليه البعثة. 11- المحب الأول : لم أجد في التاريخ أحدًا يحب أحدًا مثل حب أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان محور حياته كلها مرتبطًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان يتواجد دائمًا في الزمان والمكان الصحيحين، وكانت فرحته وسعادته مرتبطة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان حديثه كله عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقول في الهجرة: "فشرِبَ النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت"؛ انظر إلى الحب، فمن شرب هو النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ارتوى وشبِع هو أبو بكر، فيا لها من محبة وكرامة! وهذا العظيم لا بد من إفراد الكتب والبرامج لشرح جوانب عظمته، ومكانته في صدر الإسلام،، وسأحاول أن أعرض بعضًا من جوانب عظمته في مقالاتي التالية؛ لعلها تكون بداية لغيري، ولعل الله أن ينفعني بها، وحديثي عن أبي بكر لن يكون على النمط المعروف من شرح السيرة من كتاب واحد، واعتماد مبدأ شرح سيرته من الميلاد إلى الوفاة، بل سنتبع أسلوبًا جديدًا لعرض سيرته، وربطها بالصفات المطلوب أن يتعلمها المسلمون في عصرنا الحاضر، سواء في حب النبي صلى الله عليه وسلم، والقيادة، والأخلاق الحميدة، وأساليب التعامل الراقية، وطريقة اتخاذ القرارات الهامة، والله أسأل أن يوفق ويعين. المراجع: « أبو بكر الصديق »، للشيخ علي الطنطاوي. « صحيح التوثيق في سيرة وحياة الصديق رضي الله عنه»، مجدي فتحي السيد.
البدر المنير الساري في الكلام على صحيح البخاري لقطب الدين الحلبي صدر حديثًا كتاب "البدر المنير الساريفي الكلام على صحيح البخاري"، تأليف: الإمام الحافظ "عبد الكريم بن عبد النور قطب الدين الحلبي" (٦٦٤-٧٣٥)، تحقيق: "اللجنة العلمية بدار الكمال المتحدة" إشراف ومراجعة: "عطاءات العلم"، في مجلدين، نشر: "دار عطاءات العلم للنشر والتوزيع"، و"دار المنهاج القويم للنشر والتوزيع". وهذا الإصدار السادس ضمن إصدارات موسوعة صحيح البخاري، ويطبع هذا الكتاب المفقود على ثلاث قطع خطية منه. حيث التُقطت بقايا هذا الكنز من مكتبات متفرقة في العالم وأُلِّف بينها في مجلدين خُدما بأيد متقنة ليوضع بين يدي الباحثين فاكهة غضة طرية تسر الناظرين. ونجد أن كل من ترجم للقطب الحلبي نص على أنه ألف شرحًا موسعًا على صحيح البخاري، لكنه لم يتمه، وإنما بيض قسمًا منه، على تنوع في تحديد حجم هذا القسم المبيض أو المنتهي من الشرح. ومما ذُكِرَ في ذلك: قال الذهبي: "وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات". وقال الوادي آشي: "وَله تأليفان الْآن لِلْخُرُوجِ أَحدهمَا: شرح البُخَارِيّ يكون فِي نَحْو خَمْسَة عشر سفرًا تخمينًا". وقال ابن كثير: "وصنف شرحًا لأكثر البخاري، وجمع تاريخًا لمصر ولم يكملهما". وقد ذكر ابن الملقن هذا الكتاب ضمن المصادر التي اعتمدها في "التوضيح" فقال: "ومن المتأخرين: شيخنا قطب الدين عبد الكريم في ستة عشر سفرًا". قال ابن حجر: "وَشرع فِي شرح البُخَارِيّ وَهُوَ مطوّل أَيْضًا بيض أَوَائِله إِلَى قريب النّصْف". قال ابن قطلوبغا: "شرح البخاري بلغ النصف". وقال السيوطي: "وشرع في شرح البخاري مطولا بيض منه النصف". وقال صديق حسن خان: "وَشرحُ الإِمَامِ قطب الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور بن مُنِير الْحلَبِي الْحَنَفِيّ المتوفي سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْع مئة، وَهُوَ إِلَى نصفه فِي عشر مجلدات". وجاء في "معجم المؤلفين": "من مؤلفاته: شرح الجامع الصحيح للبخاري في عشر مجلدات". هذا الشرح جاء في مرحلة مُهمَّة في تاريخ فنِّ الشروح الحديثية ولا سيما شروح الصحيح، إذ هو في مرحلة زمانية وسطية بين الشروح الموجزة التي غلبت على المتقدِّمين ... والشروح المطولة التي سار عليها المتأخرون... ومن تقدير الله تعالى أنَّ المؤلِّف لم يتهيأْ له إكمالُ الكتاب؛ بل كتبَ نحوًا من نصفه أو أزيد من ذلك.. وأن الكتاب بقي - كما يظهر - من دون تبييض على الوجه الأخير. ومع هذا فإنَّ هذا الشرح قد تلقَّفته أيدي العلماء، واهتمَ به طلبة العلم والمحدثون، لما احتواه من فوائدَ ومسائلَ، وحسنِ ترتيبٍ وتصنيفٍ، فضلًا عن تحقيقات طيبة ذكرها في أثنائه ... وهذا الشرح يُعَدُّ من الشروح الموسعة والمهمة من شروح البخاري، وقد اعتمد عليه من بعده اعتمادًا كبيرًا، وأكثر من اعتمد على هذا الشرح هما الإمامان: ابن الملقن صاحب "التوضيح لشرح الجامع الصحيح"، والإمام بدر الدين العيني في كتابه "عمدة القاري". واللافت للنظر أن كلًا من ابن الملقن والعيني يكثران جدًا من النقل عنه، وكثيرًا ما ينقلان عباراته بحرفها ولفظها، ولكن نادرًا ما يعزوان إليه. وقد ذكر ابن الملقن كتاب شيخه في آخر "التوضيح" من ضمن المصادر التي اعتمدها فقال: "ومن المتأخرين: شيخنا قطب الدين عبد الكريم في ستة عشر سفرًا" ثم ذكر شروحًا أخرى ثم قال: "وشرحنا هذا خلاصة الكل مع زيادات مهمات وتحقيقات". والذي لاحظناه أن ابن الملقن يتصرف ويختصر ويلخص، بينما العيني ينقل فقرات ومواضع بطولها من دون أدنى تصرف، والغريب أن القطب الحلبي في مواضع كثيرة يبدأ كلامه بقوله: "قلت" ويسوق رأيًا له، فنرى العيني ينقل العبارة أيضًا بقوله: "قلت" فيتوهم القارئ أن هذا من كلام العيني وإضافاته، وهو في الحقيقة ناقل لكلام القطب الحلبي. والمواضع التي ينقل فيه ابن الملقن والعيني كثيرة جدًا، بل لا نبالغ إن قلنا: إنهما يكادان يستوعبان شرحه، لذلك آثر المحققون عدم ذكر أمثلة لهذا، يعني عن وجود عبارات بألفاظها منقولة عن القطب الحلبي من دون عزو أو بيان مصدرها. ولعل مما يميِّزُ هذا الشرح أن صاحبه حنفي المذهب، جمع بين مذهبِه الفقهي وإتقانه الحديثي. وهو مصدر ثمين من مصادر شروح الحديث الشريف حوى دقائق التحريرات والتنبيهات النفيسة وعوالي النقول الجليلة عن شيوخه كابن دقيق العيد وابن ابي الحرم الصقلي فمن قبلهم. ورغم عدم إتمام الكتاب، فقد ووصلنا من الجزء الباقي وهو نصف الكتاب ثلاث قطع فقط: أحدها: قطعة في شرح الحديث الأول من صحيح البخاري حديث " إنما الأعمال بالنيات ". ثانيها: قطعة في شرح كتاب العلم. ثالثها: قطعة في شرح كتاب الطهارة. وللكتاب نسخة خطية اعتمد عليها التحقيق هي نسخة عزيت خطأ لغير مؤلفها، فقد اعتمدوا على نسخة محفوظة بمكتبة فيض الله أفندي، برقم [439]، كتب عليها في أولها: "الجزء الأول من كتاب شرح مشكل البخاري للواسطي، تغمده الله برحمته ورضوانه، آمين، آمين، آمين". وهذا ما اعتُمِدَ في "فهرس آل البيت" قسم الحديث (2/1011) حيث جاء فيه: "548 - شرح مشكل البخاري - ابن الدبيثي (محمد بن سعيد): فيض الله أفندي 21 [439] مج 1 (149و) - (سز 1/118)". وهذا وهم، فالظاهر من الشرح أنه كتاب القطب الحلبي، لا غيره. وبالتكشيف عن بقية قطع؛ ظهرت قطعتان أخريان من الكتاب من موضعين متفرقين.. وهذا غاية ما وقف عليه من الكتاب.. فعمل عليهما قسم التحقيق وجمعاها مع القطعة الأولى.. ليخرج المجموع في مجلدين. وكما تقدم فإن هذا الشرح من الشروح الموسعة لصحيح البخاري، اعتمد عليه كثير ممن أتى بعده، لكن مؤلفه لم يتمه، وإنما بيض قسمًا منه، ولا يعرف على وجه الدقة أين وصل في تبييضه. ونلحظ في النسخة التي وقعت بين يدينا أنه وقع فيها بياض في مواضع عدة تدل على تردد المؤلف أو أنه تركها للمراجعة. ومن أمثلة ذلك قوله في ترجمة أم سلمة: "وتوفيت سنة تسع وخمسين، وقيل: في خلافة يزيد بن معاوية، وولي يزيد في رجب سنة ستين، وتوفي في ربيع... سنة أربع وستين". فترك بعد كلمة "ربيع" بياضًا فكأنه لم يجزم في أي الربيعين توفي يزيد. ومن الأمثلة أيضًا قوله في ترجمة أحمد بن أبي بكر، أبي مصعب القرشي الزهري: "قال الزبير بن بكار: مات وهو فقيه أهل المدينة غير مدافع، ولاه عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس.... إذ كان واليًا على المدينة للمأمون". فوقع بياض بعد كلمة "العباس" وكأنه تردد فيما ولاه إياه عبيد الله، والحقيقة أنه ولاه القضاء كما أثبته في موضعه. ومما يلحظ على هذه النسخة أيضًا كثرة ما ألحق بها في الهوامش، من إضافات، وأحيانًا تضاف فقرة كاملة، وعند التأمل يترجح أن أكثرها من أصل الكتاب، إذ هي بأسلوب المؤلف، وجارية على منهجه. ولعل هذا يشير إلى أن الكتاب لم يبيض، وربما تكون هذه النسخة قد كتبها المؤلف أو كتبت بين يديه، مما جعل هذه الإضافات تكتب على الهوامش وليس في الصلب. وقد أشار ابن حجر في مواضع عدة إلى أنه وقف على نسخة الشرح للقطب الحلبي بخطه، فقال في أحد هذه المواضع: "وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي في شرحه...". ومما يلحظ على منهج المؤلف: تحريه في النقل، ودقة عزوه إلى الأئمة والعلماء، فلا يكاد ينقل قولًا من دون أن يسمي قائله أو يعزوه، حتى في تأريخ وفاة كثير ممن ترجمهم لا ينقل التأريخ إلا منسوبًا إلى من ذكره، فيقول: قال فلان توفي سنة كذا. وهذا المنهج لم يلتزمه كثير ممن أتى بعده، ولا سيما ابن الملقن، حيث يحذف كثيرًا من أسماء من ينقل عنهم، ويكتفي بتلخيص كلامهم، وهذا يبين أهمية هذا الشرح وتميزه من بين الشروح، حيث يفيد في إثبات أقوال وآراء ربما لا نجدها في غيره، أو لا نعرف قائلها. كما يلاحظ في الكتاب بعض الاختلاف في الألفاظ التي يثبتها عن صحيح البخاري، وهذا مرجعه في الأغلب إلى اختلاف نسخ البخاري، وقد أثبت المحقق ما أثبته المؤلف، وتركَ للقارئ المقارنة. هذا عندما يثبت الحديث في أول الشرح، أما عندما ينقل فقرات من الحديث كجملة أو عبارة ليشرحها فالملاحظ أنه يتصرف فيها أحيانًا على خلاف الرواية التي أثبتها هو، وذلك لكونه يرويها بالمعنى أو يثبتها من ذهنه، وقد راعى ذلك المحققون وأثبتوا ما أثبته المؤلف، إلا ما كان فيه مخالفة أو تغيير لسياق البخاري فإنهم يشيرون إليه. وأشار المحققون إلى هذه الملاحظة حتى لا يظن أن ما يثبته المؤلف في أثناء الشرح نسخة أخرى مختلفة عما أثبت في أوله. أما المؤلف: فهو عبد الكريم بن عبد النور بن منير بن عبد الكريم بن علي بن عبد الحق بن عبد الصمد بن عبد النور. لقبه وكنيته: قطب الدين، أبو محمد. نسبته: الحلبي، فهو حلبي الأصل والمولد، ثم المصري دارًا ومقامًا. مذهبه الفقهي: حنفي، وقد ترجمه الحنفية في طبقاتهم. مولده: ولد بحلب يوم الجمعة، في السادس عشر من رجب، سنة (664هـ). وفاته: توفي بالقاهرة يوم الأحد، في رجب، سنة (735هـ)، ودفن بها. شيوخه: توسع الإمام القطب الحلبي في الأخذ عن الشيوخ، وأكثر من الرحلة والسماع، حتى زاد عن شيوخه عن الألف، ومن أشهر من أخذ عنهم علمًا وسماعًا: • الحافظ ابن دقيق العيد، وقد نقل عنه ووصفه بأنه شيخه في هذا الشرح. • ابن البخاري، وهو من أعلى أهل عصره إسنادًا، ومن أكثره شهرة بالرواية. تلاميذه: أخذ عنه تلاميذ كثيرون، منهم أئمة كبار، فقد سمع منه الحافظ الذهبي، وأخذ عنه الوادي آشي، واستجازه التاج السبكي، كما سيأتي ذلك في كلامهم. مؤلفاته: عرف القطب الحلبي بالتأليف، واشتهر بها، ويبدو أنه كان ينحو منحى التأليف الموسوعي، وقد ظهرت في مصنفاته الجمع الدقيق، والتحرير، ووصف بذلك في الحفاظ، وقد عدَّد الزركلي مؤلفاته فقال: "له "تاريخ مصر" بضعة عشر جزءًا، لم يتم تبييضه، و "شرح السيرة للحافظ عبد الغني" مجلدان، و"الاهتمام بتلخيص الإلمام - خ" في الحديث، و"شرح صحيح البخاري" لم يتمه، وكتاب "الأربعين" في الحديث، و"مشيخة " في عدة أجزاء، اشتملت على ألف شيخ". ثناء الأئمة عليه: قال عنه تلميذه الحافظ الذهبي (748هـ): "الإمام المحدث الحافظ المصنف المقرئ بقية السلف... وجمع وخرج وألف تواليفًا متقنة، مع التواضع والدين والسكينة، وملازمة العلم، والمطالعة، ومعرفة الرجال ونقد الحديث، سمعت منه بمصر، وبمكة سمعت منه جزء الغطريف، وقد أجاز لي مروياته". وقال أيضًا: "وصنف، وخرج، وأفاد، مع الصيانة، والديانة، والأمانة، والتواضع، والعلم، ولزوم الاشتغال والتأليف. حج مرات، وحدثنا بمنى. وعمل تاريخًا كبيرًا لمصر بيض بعضه، وشرح السيرة لعبد الغني في مجلدين. وعمل أربعين تساعيات، وأربعين متباينات، وأربعين بلدانيات. وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات". وقال أيضًا: "أحد من جرد العناية، ورحل وتعب وحصل وكتب، وأخذ عن أصحاب ابن طبرزذ فمن بعدهم، وصنف التصانيف، وظهرت فضائله، مع حسن السمت والتواضع والتدين وملازمة العلم". وقال الوادي آشي (749هـ) في برنامجه وهو ممن لقيه وأخذ عنه: "وَحدث بِصَحِيح مُسلم عَن الْمُؤَيد الطوسي، وَأكْثر هَذَا بِالسَّمَاعِ على القَاضِي شَيخنَا ابْن دَقِيق العَبْد، وأنشدني، قَالَ أنشدنا لنَفسِهِ: أرى النَّفس تحذر سم الردى وسم الْخَطِيئَة أوحى لَهَا تجَادل فِي طوع شيطانها إِذا هُوَ بالبغي أوحى لَهَا وَلَو عقلت أصلحت شَأْنهَا ليَوْم الْقِيَامَة أَو حَالهَا قَرَأت عَلَيْهِ وَقَرَأَ هُوَ عَليّ أَيْضًا، وانتفع كل منا بِصَاحِبِهِ جزاه الله تَعَالَى خيرًا، وأجازني إجَازَة عَامَّة بشروطها. . وَله تأليفان الْآن لِلْخُرُوجِ أَحدهمَا: شرح البُخَارِيّ يكون فِي نَحْو خَمْسَة عشر سفرًا تخمينا، وَالْآخر تَارِيخ ديار مصر قَالَ إِنَّه يخرج فِي نَحْو خَمْسَة وَثَلَاثِينَ سفرًا نحا بِهِ منحى ابْن عَسَاكِر". قال التاج السبكي (771هـ) وهو ممن استجاز منه: "وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ، وَانْتَقَى عَلَى بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَعُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَحَصَّلَ الأُصُولَ وَالْفُرُوعَ، وَقَرَأَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةَ، وَأَعَادَ وَدَرَّسَ فِي الْحَدِيثِ بِعِدَّةِ أَمَاكِنَ، وَصَنَّفَ عِدَّةَ تَصَانِيفَ، وَحَجَّ سَبْعَ مِرَارٍ، وَكَانَ لَطِيفَ الْكَلامِ، حَسَنَ الْخُلُقِ، كَثِيرَ التَّوَاضُعِ، بَشُوشَ الْوَجْهِ، حَسِنَ الْمُلْتَقَى، طَاهِرَ اللِّسَانِ، عَدِيمَ الأَذَى...أَجَازَ لَنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ". وقال ابن كثير (774هـ): "أحد مشاهير المحدثين بها [أي بمصر] والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه... وقرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث، وقرأ الشاطبية والألفية، وبرع في فن الحديث، وكان حنفي المذهب، وكتب كثيرًا، وصنف شرحًا لأكثر البخاري، وجمع تاريخًا لمصر ولم يكملهما، وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثًا متباينة الإسناد، وكان حسن الأخلاق، مطرحًا للكلفة، طاهر اللسان، كثير المطالعة والاشتغال... وخلف تسعة أولاد رحمه الله". قال الحافظ ابن حجر (852هـ): "واعتنى بالرواية فَسمع من الْعِزّ الْحَرَّانِي، وغازي الحلاوي، وَابْن خطيب المزة وَغَيرهم، وبدمشق من الْفَخر وَغَيره، واستكثر من الشُّيُوخ جدًا، وَكتب العالي والنازل، فَلَعَلَّ شُيُوخه يبلغون الْألف، وَخرج لنَفسِهِ التساعيات والمتباينات والبلدانيات، وَكَانَ خيرًا متواضعًا، تَلا بالسبع على أبي الطَّاهِر المليحي وعَلى خَاله الشَّيْخ نصر، وانتفع بِصُحْبَتِهِ، وَجمع لمصر تَارِيخًا حافلًا لَو كمل لبلغ عشْرين مجلدة، بيض مِنْهُ المحمدين فِي أَرْبَعَة، وَاخْتصرَ الالمام فحرره، وَشرح سيرة عبد الْغَنِيّ، وَشرع فِي شرح البُخَارِيّ وَهُوَ مطول أَيْضًا بيض أَوَائِله إِلَى قريب النّصْف". قال ابن قطلوبغا (879هـ): "وكتب العالي والنازل، وخرَّج وألّف، شرح البخاري بلغ النصف، وعمل تاريخ مصر فبلغ مجلدات دون التمام، وله غير ذلك مع الفهم، والبصر بالرجال، والمشاركة الجيدة في الفنون، وشرح السيرة النبوية للحافظ عبد الغني". ويعد هذا الإخراج لهذه المخطوطة النادرة بما فيها من بياض وطمس من الجهود الجديرة بالإعجاب من جانب قسم التحقيق العلمي بدار الكمال المتحدة، حيث اجتهد قسم التحقيق في سد الثغرات وقراءة الطمس والبتر، وتنضيد الكتاب من النسخة المعتمدة وإظهاره للعيان مطبوعًا في صورة علمية متقنة.
العولمة والعزوف عن العمل تتردد في الأوساط الإعلامية والمجالس الخاصة مقولةُ عدمِ جِدِّيَّة المواطن الخليجي الشاب في العمل، وكأن هذا تصور نمطي، أو صورة نمطية تنسحب على المواطن الخليجي، كبيره وصغيره، بماضيه وحاضره، والواقع لا يؤيد ذلك؛ فالعالَم الخليجي "قد امتهن العملَ اليدوي والأعمال الدنيا الأخرى؛ فالغالبيةُ من قوة العمل الخليجية في قطاع النفط (90% إلى 95%) وُظِّفت في القطاعات الدنيا من العمل" [1] . عزوفُ العاملِ الخليجي عن العمل لا يُعزى لأي أنساقٍ تقليدية قديمة، سوى مرور المنطقة بحال من الطَّفْرة؛ نتيجة لعائدات النفط، ولَّدت هذا الانطباعَ القابل للزوال؛ بحكم الحاجة إلى العمل ومدخولاته، ولقد تسرَّبت هذه الانطباعة إلى بعض الكتابات التي لا يظهر أنها تتعاطف مع الحال الخليجية، والتي لا تزال تعتقد أن مواطني المنطقة لا يزالون يعيشون بروح ذلك البدوي المتنقل المُتعفِّف عن العمل المهني والفني [2] . إن الطفرة التي مرت بمنطقة الخليج العربية - بفضل من الله تعالى - ثم بفعل الوارداتِ الضخمة من تصدير النفط، لا سيما بعد الحركة التصحيحية لأسعار النفط التي قادها الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى في شهر رمضان المبارك من سنة 1393هـ أكتوبر من سنة 1973م، قد ولَّدت جيلًا من المواطنين عزف عن العمل، عندما وجد من مقومات الحياة ما يحتاج إليه وأكثر، ومن ثَمَّ استقدم هذا المواطنُ العاملَ الوافد؛ ليكون بديلًا عنه في إدارة المنشآت التِّجارية والصناعية وغيرها، وتشغيلها مباشرة، أو بما تعارفنا عليه بظاهرة التستُّر في وجه الأنظمة (القوانين)، التي تحول دون تملُّكِ الوافد لهذه المنشآت؛ مما ولَّد نتيجة لذلك جيلًا عازفًا عن العمل، حتى لو كانت حاجتُه إليه قوية، وأعطى الفرصةَ للوافدين ليستأثروا منها بالفرص والمكاسب المادية دون منافسة محلية تُذكر [3] . لا يزال يُحوَّل إلى خارج منطقة الخليج العربية منها سنويًّا ما يزيد على مائة مليار ريال سعودي (حوالي ثلاثين مليار دولار) على المستوى الخليجي عامة [4] ، هذا الوضعُ المؤقت صعَّب مشروعاتِ توطينِ سوق العمل وبرامجه كثيرًا، لا سيما مع تنامي عددِ السكان، وكثرة مخرجات التعليم والتدريب؛ إذ وُجد عددٌ كبير من طالبي العمل الباحثين عنه المؤهلين له من المواطنين، في الوقت الذي تكون الفرصُ فيه مشغولةً بالوافدين. إذا أُضيف إلى ذلك مواقفُ اجتماعية أخرى ذاتُ عَلاقة بالعادات والتقاليد المحلية، غير احتمال وجود ضعف التدريب والتأهيل لدى طالبي العمل من المواطنين - كان كلُّ هذا مدعاة إلى إثارة علامة استفهام حول تطبيق مفهوم البطالة المتفق عليه من منظمة العمل الدولية على هذه الفئة من طالبي العمل، مما سيأتي بيانه في الوقفات الآتية. مع هذا فلا بد من الاستمرار في التوكيد أن هذا الوضعَ ينبغي أن يكون مؤقتًا وطارئًا، فلم يكن متجذِّرًا في جيل ما قبل الطفرة، ناهيك عن أن يكونَ متجذرًا ثقافيًّا، ولا يمثل المُستهدف الرسمي والشعبي والإقليمي من سوق العمل، وما سيكون عليه العاملون المواطنون في المنطقة [5] . [1] انظر: باقر سلمان النجار، حلم الهجرة للثروة: الهجرة والعمالة المهاجرة في الخليج العربي - مرجع سابق - ص 110. [2] انظر هذه الانطباعية لدى: سيار الجميل، العولمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الأوسط - مرجع سابق - ص 109 - 145. [3] انظر: خالد بن عبدالعزيز الشريدة، العولمة والسعودة: دراسة في إشكالية العلاقة بين العالمي والمحلِّي، بحث غير منشور، القصيم: المؤلف، 1423هـ/ 2002م، ص 62 - 63. [4] أوصلها نبيل جعفر عبدالرضا إلى مائة مليار (100,000,000,000) دولار بين عامي 1995 و2000م، انظر: نبيل جعفر عبدالرضا، العولمة وانعكاساتها على صناعة النفط الخليجية، ص 99 - 166، في: مركز دراسات الوحدة العربية، المجتمع والاقتصاد أمام العولمة، بيروت: المركز، 2004م، ص 184. [5] يعرِّج باقر سلمان النجار على هذا البعد في الفصل السادس من كتاب: حلم الهجرة للثروة، ويذكر إحصائيات وأرقامًا، تعود إلى سنة 1992م، تؤكد مفهوم التستر في منطقة الخليج العربية، مما يحمل المواطنين مسؤولية مباشرة إزاء هذا الوضع المؤثر على تهيئة الموارد البشرية المواطنة، انظر: باقر سلمان النجار، حلم الهجرة للثروة - مرجع سابق - ص 187 - 204.
وقفات مع كتاب "كيف تربي أولادك" للمؤلف/ أحمد بن ناصر الطيار بعد إنجابي مولودي الأولَ، أرفقتْ إحدى الزميلات الفاضلات - جزاها الله خيرًا - كتاب "كيف تربي أولادك"، للمؤلف أحمد بن ناصر الطيار مع هديتها. شدَّني عنوان الكتاب، وأنهيتُ قراءته، وأحببت كما استفدت منه أن أوجِزَ بعض الوقفات المهمة المذكورة في الكتاب عن التربية؛ لعلها تشوق القارئ المربي إلى قراءة الكتاب كاملًا والاستفادة منه. مجموع ما ذكر المؤلف -حفظه الله- في الكتاب ثلاثين قاعدة في التربية، أردف كل قاعدة بتفصيل وشرح لها، وقسم الكتاب إلى قسمين؛ القسم الأول: الوقاية، وذكر فيه ثماني وعشرين قاعدة، والقسم الآخر: العلاج، وذكر فيه قاعدتين. ولعلي أذكر منها بعض القواعد: • الجزاء من جنس العمل، فمن بَرَّ والديه، بَرَّه أبناؤه. • الرفق واللين في التعامل مع الأولاد. • أن يكون هدف المربي من التربية هو رجاء صلاح الذرية، وإنقاذهم من النار. • تعويد الأولاد على مراقبة الله عز وجل. • عدم الإكثار من الوعظ والتوجيه. • معاملة الأولاد بالحب واللين مع الشدة والحزم. • معاملة الأولاد بالاحترام والتقدير. • الجلوس مع الأولاد والحديث معهم. • أن يكون المربي قدوةً حسنة لولده. • الاستماع الجيد للأولاد. • تعويد الأولاد على حرية الاختيار والتعبير. • الصراحة والصدق في التعامل مع الأولاد. • عدم التدخل في مشاجرة الأولاد بعضهم مع بعض، إلا عند الضرورة. • العدل بين الأولاد في كل شيء. • التعامل بروِيَّة وحكمة مع أخطاء وتصرفات الأولاد السيئة. • تعويد الأولاد الاعتمادَ على أنفسهم. ولا يفوت المربي كثرةُ الدعاء للأولاد بالصلاح والهداية، فما هذه القواعد إلا أسباب، والهداية والتوفيق إليها من عند الله عز وجل، نسأل الله سبحانه أن يهدي ذرياتنا وذريات المسلمين لِما فيه الخير والصلاح. اللهم آمين.
ما نزل في صلح الحديبية من القُرْآن ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 27]، رأى النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية رؤيا أسعدته، ورؤيا الأنبياء حق، بأنه وأصحابه دخلوا المسجد الحرام آمنين فأدَّوُا العمرة، وكانوا ما بين محلِّق ومقصِّر، كما بشَّرهم بالفتح، لكن لما صُدوا عن المسجد الحرام وعقدوا صلح الحديبية وأن عمرتهم قد تأجلت إلى قابل، شق عليهم، فقال المنافقون: والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لم أقل هذا العام))، ثم أخبر القُرْآن الكريم عن مجريات الصلح بدءًا من البيعة، فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 10]، ولكن البيعة تحت الشجرة كانت من قلوبٍ حملت الوفاء والإخلاص؛ لذلك مدحهم الله ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]، وبعد البيعة استعد النبي صلى الله عليه وسلم لقتالهم: ﴿ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الفتح: 22، 23]، وقد حاول القرشيون أن يختبروا قوة المسلمين، فطافت خيلهم بمعسكر المسلمين، فوقع ثمانون منهم في الأَسر، وفر الباقي، وأُخذ الأسرى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فعفا عنهم وأطلق سراحهم؛ ليبرهن لهم أنه إنما أتى للعمرة لا للقتال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الفتح: 24]، ثم بيَّن أن المعتدين هم الذين يصدون الناس عن المسجد الحرام؛ حيث قدم المسلمون لأداء العمرة وكان هديهم معهم مقلدًا ومحبوسًا ينتظر أن يهدى في الحرم وينحر في مكانه المخصص، ﴿ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 25]، لقد بيَّن الله تعالى أن هذا الكف كان بسبب وجود مسلمين ومسلمات في مكة وقد يتأذون من القتال ويصيبهم الأذى أو القتل وأنتم لا تعرفونهم؛ لأنهم يكتمون إسلامهم عن أهل مكة خشية الإيذاء، ولو تميزوا عن الكفار بعلامة معينة لسلطكم الله عندئذ على الكفار قتلًا وأَسرًا، ثم بين سبحانه وتعالى نفسية قريش وصلفهم في عدم السماح للمسلمين بالعمرة، وتلقي ذلك من قِبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر والسعي للصلح: ﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الفتح: 26]. وفي الصحيحينِ وغيرهما عن سهل بن حنيف قال: "فلقد رأيتُنا يوم الحديبية، يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين، ولو نرى قتالًا لقاتلنا، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: ((بلى))، قال: ففيمَ نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: ((يا بن الخطاب، إني رسول الله، ولم يضيعني الله أبدًا، فرجع متغيظًا، فلم يصبر حتى جاء أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا؟ قال: يا بن الخطاب، إنه رسول الله، ولن يضيعه الله أبدًا، فنزلت سورة الفتح، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر فأقرأه إياها، قال: يا رسول الله، أفتح هو؟ قال: ((نعم))؛ ولهذا فإن قوله تعالى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الفتح: 1] يعني صلح الحديبية، فهو الفتح المبين، وقد ظهرت نتائجه لاحقًا، وتبينها الصحابة جليةً بكثرة الداخلين في الإسلام، وبالخيرات التي أقبلت.
موسى عليه السلام (16) استمرَّ موسى عليه السلام في نَشْرِ النور والهدى الذي أنزله الله تعالى عليه في التوراة، يعاونُه هارون عليه السلام، إلى أن قبض الله عز وجل هارون عليه السلام في حياة أخيه موسى عليه السلام وَهُما في التِّيه مع بني إسرائيل. وقد حجَّ موسى عليه الصلاة والسلام إلى البيت العتيق في مكة المكرمة؛ فقد روى مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بوادي الأزرق فقال: ((أيُّ وادٍ هذا؟)) ، قالوا: وادي الأزرق، قال: ((كأنِّي أنظر إلى موسى وهو هابط من الثنية، وله جؤارٌ إلى الله عز وجل بالتلبية)) ، حتى أتى على ثنية هرشاء فقال: ((أي ثنية هذه؟)) ، قالوا: هذه ثنية هرشاء، قال: ((كأني أنظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء، عليه جُبَّةٌ من صوف خطام ناقته خلبةٌ - يعني ليفًا - وهو يلبِّي)) . وقد ذكرت عند الحديث عن الخليل إبراهيم عليه السلام بعض صفات موسى عليه السلام، وأنه كان آدم، أي: أسمر، جعد الشعر جسيمًا طوالًا كأنه من رجال أزد شنوءة؛ فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رأيت ليلةَ أُسْرِي بي موسى بن عمران رجلًا طوالًا جعدًا، كأنَّه من رجال شنوءة)) . كما روى البخاري في صحيحه، من طريق مجاهد أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما وذكروا له الدَّجَّال، وأنه مكتوب بين عينيه كافر أو (ك ف ر) ، فقال: لم أسمعه، ولكنه قال صلى الله عليه وسلم: ((أما إبراهيمُ فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فجعدٌ آدم على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني أنظر إليه انحدر في الوادي)) . وقد حضرت الوفاة موسى عليه السلام قبل أن يدخلَ الأرض المقدسة، غيرَ أنه طلب من الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجر؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلما جاءه صَكَّه، فرجع إلى ربه عز وجل فقال: أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، قال: ارجع إليه، فَقُلْ له: يضع يدَه على متنِ ثور، فله بما غطَّت يدُه بكلِّ شعرةٍ سنةٌ، قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآنَ، قال: فسأل اللهَ عز وجل أن يُدْنيه من الأرض المقدَّسة رميةً بحجر، قال أبو هريرة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فلو كنتُ ثَمَّ لأريتُكم قبرَه إلى جانبِ الطريقِ عند الكثيبِ الأحمرِ)) . ثم قال البخاري رحمه الله قال: وأخبرنا معمر عن همام حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وروى مسلم في صحيحه من طريق همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكَرَ أحاديث منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جاء ملكُ الموت إلى موسى عليه السلام، فقال له: أَجِبْ ربَّك، قال: فَلَطَمَ موسى عليه السلام عينَ ملكِ الموت فَفَقَأَهَا، قال: فرجع الملَكُ إلى الله تعالى، فقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت وقد فَقَأَ عيني، قال: فردَّ اللهُ إليه عينَه، وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياةَ تريدُ؟ فإن كنت تريد الحياة فضعْ يدك على متن ثور، فما توارت يدُك من شَعْرِه فإنك تعيش بها سنةً، قال: ثمَّ مَهْ؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، رب أمِتني من الأرض المقدسة رمية بحجر)) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله، لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر)) . وقد استشْكَلَ بعضُ من ينتمي إلى العلم هذا الحديث، وكأنه استغرب كيف يضرب موسى عليه السلام ملكَ الموتِ، وكيف يفقأ عينَه؟ ولا غرابة في ذلك؛ لأن موسى لم يعرف أنه ملَكُ الموت كما لم يعرفْ خليلُ الرحمن أبوه إبراهيم عليه السلام الملائكةَ الذين استضافهم، وقال لهم لمَّا لم يأكلوا طعامه: ﴿ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ﴾ [الحجر: 62]، ولا سيما أن ملك الموت جاء موسى عليه السلام على طريق لم يُقبض على مثلها الأنبياء؛ فإن اللهَ تبارك وتعالى لا يقبضُ روحَ نبيٍّ من أنبيائه إلا بعد تخييره، كما أُثِر أنه ما من نبي قبض إلا خُيِّر؛ ولذلك لمَّا خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار الرفيق الأعلى، أما استغراب فقء عين الملك فهو مبني على تعريف الملائكة بأنهم لا تحكم عليهم الصورة، أي: لو تصوَّر الملك في صورة رجل أو غيره ثم أُريد قتله أو قطعُ عضو منه فإنه لا تتأثَّر صورته بذلك، ولا يتمكن منه، بخلاف الجنِّي؛ فإن الصورة تحكم عليه، فلو تصوَّر الجني في صورة حيوان وقُتل هذا الحيوانُ قُتل الجنِّي، وبالنظر إلى أن هذا التعريف لم يثبت به خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه سلم فإنه لا يحل لمسلم أن يرد به الخبر الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد رأيت كثيرًا من أهل الأهواء المعادين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وللبخاري ومسلم وغيرهما من أئمَّة أهل السنَّة والجماعة يدندنون حول هذا الحديث الصحيح للنَّيْلِ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيوخ أهل الحديث، وقد علمتُ أنه لا شبهة في صحَّة هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين. هذا، وقد حرَّف اليهود التوراةَ بعد موسى عليه السلام، ومن أبرز الأدلَّة على ذلك أن اليهود يدَّعون أن التوراةَ كتبَها موسى عليه السلام بيده، وهي مكوَّنة عندهم من أسفارٍ خمسة، وهي: سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر اللاويين أو الأحبار، وسفر العدد، وسفر التثنية، وقد جاء في الإصحاح الرابع والثلاثين من سفر التثنية في الفقرة الخامسة منه: "فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب"، وفي الفقرة السادسة: ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرفْ إنسانٌ قبرَه إلى هذا اليوم، فتبيَّن بما لا مجال للشك فيه أن هذا السفرَ مكتوبٌ بعد موسى عليه السلام؛ إذ كيف يَكتب موسى بيده أنه مات ودُفن في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم، ومما يؤكِّدُ تحريفهم أنه جاء في الإصحاح الحادي والثلاثين من سفر التثنية في الفقرة 24 فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها - 25 - أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلًا: 26 - خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم؛ ليكون هناك شاهدًا عليكم - 27 - لأني عارف تمردكم ورقابكم الصُّلبة، هو ذا وأنا بعد حيٌّ معكم اليوم قد صرتم تقاومون الربَّ، فكم بالحرِيِّ بعد موتي - 28 - اجمعوا إليَّ كلَّ شيوخ أسباطكم وعرفائكم لأنطق في مسامعهم بهذه الكلمات وأشهد عليهم السماء والأرض - 29 - لأني عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون من الطريق الذي أوصيتكم. هذا، وليست اليهوديَّة هي دين موسى عليه السلام، بل دينُه الإسلام، واليهودية محدثة بعد موسى؛ ولذلك لم يرد في خبر صحيح أن موسى عليه السلام سمَّاهم يهودًا، وقد تكون اليهوديَّة مأخوذةً من الهود، بمعنى: التوبة، على حد قول موسى عليه السلام ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: 156]. ويمكن أن تكون مأخوذةً من التَّهويد؛ وهو الترجيع بالصوت في لينٍ والتطريب، وقد كان أحبار اليهود إذا قرؤوا على العامَّة أتوا بنغماتٍ مع غُنَّةٍ شديدة ومدٍّ بالخياشيم، ويمكنُ أن تكون نسبةً إلى يَهُوذا أحد رؤوس أسباط بني إسرائيل، ويكون إطلاقه على جميع بني إسرائيل على سبيل التغليب، وهو بالدال أو الذال كما جاء في القاموس المحيط، يقال: يهوذا ويهودا، كما يقال: يهوذي ويهودي. ولم يرِدْ اسم اليهود في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على سبيل المدح قطُّ، وكلُّ ما ورد عنهم في عهد موسى عليه السلام كان باسم بني إسرائيل، كما أنَّ ما ورد في كتاب الله عنهم كان باسم أهلِ الكتاب وقوم موسى وبني إسرائيل، ولم تُذكر اليهوديَّة إلا في مقام الذمِّ، والعلم عند الله، والسلام على موسى وهارون.
الإدارة الإستراتيجية وتحديات القرن الحادي والعشرين للجنابي كثيرةٌ هي الكتب في مجال الإدارة التي دارت حول الإدارة الإستراتيجية؛ منها كتاب: (الإدارة الإستراتيجية مفاهيم وعمليات وحالات دراسية)؛ لمؤلفه أ.د زكريا مطلق الدوري‎، وكتاب: (الإدارة الإستراتيجية الحديثة: التخطيط الإستراتيجي، البناء التنظيمي، القيادة الإبداعية، الرقابة والحوكمة)؛ لمؤلفته عائشة يوسف الشميلي،‎ وكتاب: (التخطيط الإستراتيجي الناجح)؛ لمؤلفيه مايكل ج. دوريس‎، جون م. كيلي‎، جيمس ف. ترينر. وكتاب أكرم سالم الجنابي: (الإدارة الإستراتيجية وتحديات القرن الحادي والعشرين ... مفاهيم - نظريات -مداخل - عمليات - دراسة الحالة)، المنشور ( 2022م)، عمان – الأردن، دار أمجد للنشر والتوزيع؛ الذي دار حول الإدارة الإستراتيجية وتحديات القرن الحادي والعشرين، وهو الذي يعرض هذا المقال له. حيث تتناول الإدارة الإستراتيجية صياغة وتطبيق وتقويم القرارات التي تدعم المنظمة وإدارتها، وتُمكِّنها من تحقيق الأهداف الإستراتيجية؛ لذلك فهي تتضمن جميع التصرفات الإدارية التي ترسم وتؤشر معالم الأداء المنظمي على الْمَدَيَينِ الراهن والبعيد، ومن خلالها يمكن تأسيس وتصويب توجُّه المنظمة نحو المستقبل البعيد، والتطوُّر والنمو استجابة للعوامل البيئية المتسارعة، والسـعي لاغتنام الفرص واستثمارها، وتجنب المخاطر والتهديدات. مكونات الكتاب: يقع الكتاب في 527 صحيفة من القطع المتوسط، اشتمل الكتاب على ثمانية عشر فصلًا، دارت حول المفاهيم والنظريات، والعمليات والمقاربات، ودراسة الحالة، ومداخل الإدارة الإستراتيجية المنتشرة والذائعة، وأبرز توجهاتها الحديثة، من منظور تكاملي جدلي معاصر شامل الإطار؛ لتشكل نافذة تطل على آفاق الفكر الإستراتيجي، ومفتاحًا للمواصلة والاسـتمرارية، ومتابعة البحث العلمي المتقدم في هذا السياق. دار الفصل الأول حول مفهوم وتطور الفكر الإستراتيجي. وشرح الفصل الثاني التفكير الإستراتيجي. وتناول الفصل الثالث التوجه الإستراتيجي (الرؤية والرسالة). وعرض الفصل الرابع للقصد الإستراتيجي. وبيَّن الفصل الخامس: التحليل الإستراتيجي البيئي. وفصَّل الفصل السادس القولَ في الخيار الإستراتيجي، وأدوات تحليل محفظة الأعمال، وناقش الفصل السابع إستراتيجيات الأعمال. وبيَّن الفصل الثامن: التنفيذ الإستراتيجي. ودار الفصل التاسع حول الرقابة الإستراتيجية. وشرح الفصل العاشر التدقيق الإستراتيجي. وناقش الفصل الحادي عشر للكفايات الإستراتيجية. وتناول الفصل الثاني عشر إستراتيجيات الأعمال المعلوماتية والمعرفية. وعرض الفصل الثالث عشر لبطاقة التقييم المتوازن. وتحدث الفصل الرابع عشر عن السيناريو الإستراتيجي. وبيَّن الفصل الخامس عشر الإدارة العليا وحاكمية المنظمة والمسؤولية الاجتماعية. وشرح الفصل السادس عشر الإستراتيجيات الوظيفية. ودار الفصل السابع عشر حول الإدارة الإستراتيجية الدولية. وناقش الفصل الثامن عشر دراسة الحالة. وختامًا يمكن القول : إنه في ظل الإستراتيجيات الإدارية الحديثة، وفي ظل التميز والتنافسية، وحرص المنشآت على تحقيق الجودة الشاملة، وتحقيق الإنتاجية، وأداء العمل بكفاءة وفاعلية، لا بد من تدريب الإدارة العليا والمتوسطة على إدارة العمل وفق الإدارة الإستراتيجية؛ لتستطيع هذه المنشآت مجابهة تحديات القرن الحادي والعشرين. المراجع: الجنابي، أكرم سالم، (2022م)، الإدارة الإستراتيجية وتحديات القرن الحادي والعشرين (مفاهيم -نظريات - مداخل - عمليات - دراسة الحالة)، عمان – الأردن، دار أمجد للنشر والتوزيع. https://www.amazon.ae/-/ar
End of preview. Expand in Data Studio

Dataset:

  • Aluka 1.4 GB
  • AraWiki 3.9 GB
  • Aya 22.5 GB
  • Islamic Books 21.4 GB
Downloads last month
96